حتى محمد يونس الأب والمؤسس لبنك الفقراء أو ما عرف بصناديق التمويل الأصغر انقلب على فكرته عندما رأى أنها تحولت إلى مؤسسات تجارية تهدف إلى الربح وتعاقب الفقراء بدلاً من إنقاذهم.
عدد المؤسسات العاملة في التمويل الأصغر هو 43 مؤسسة، رخص منها حتى الآن تسع مؤسسات تمثلها لكنها جميعها دخلت على خط التمويل، وتحت وابل من التصفيق والتعاطف مع غاياتها غفلت عنها الرقابة فهي تقرض الناس بأسعار فائدة مربوطة بمدد للسداد وكفالات بل وتوفير للضمانات.
هذه الصناديق تحمل مسميات عدة كثرت مع رواج ما يسمى بالمشاريع الصغيرة أو التمويل الأصغر ورأى فيها الناس وسيلة لإنقاذ العائلات من الفقر وبدلاً من ذلك تبددت الأحلام وتحول زبائنها إلى ملاحقين قضائياً.
هناك دراسة كلفت بإجرائها شركة «إرنست ويونغ» لآلية عمل مؤسسات مالية غير مصرفية ومنها شركات التمويل الأصغر، وشركات التأجير التمويلي، وشركات التمويل المتعدد، وشركات تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لم يتسن الإطلاع على نتائجها لكن آخر إحصائية تقول أن قيمة القروض الصغيرة بلغ 227 مليون دينار لنحو 417.302 مقترض والقروض تبدأ من 508 دنانير إلى 549 ديناراً نصيب المحافظات منه 69% من المقترضين و64% من قيمة القروض.
نذكر هنا أن البنوك التجارية تقدم تسهيلات لمشاريع صغيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، وأن متوسط سعر الفائدة على التسهيلات الممنوحة للشركات الصغيرة والمتوسطة يتراوح بين 10 و12%، والبنوك تعتقد أن المنتجات المقدمة من قبلها تعتبر ملائمة لاحتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة.
لكن لماذا نلبي هذه الصناديق طلبات ترفضها البنوك لعدم وضوح الغاية من القرض، وعدم موثوقية مصادر الدخل، وعدم توفر قوائم مالية وضمانات كافية، وضعف الخبرة وتعدد الالتزامات وارتفاع المديونية وضعف الملاءة المالية؟.
طبعا ليست هذه الصناديق جمعيات خيرية تمنح المال لمن يطرق بابها ولا تحفل باسترداده، وليس وراء هذا السخاء إيمان بأهمية تمويل المشاريع الصغرى والصغيرة وهي ليست ذات طابع انساني تنموي بدليل أنها تعاقب من لجأ إليها إن تعثر بدلاً من مساعدته على تصويب أوضاعه لسداد التزاماته عبر متابعة أسباب فشل مشروعه مع أن هذه الصناديق تعرف مسبقاً أن قروضها ذهبت لغايات استهلاكية.
بدلاً من محاربة الفقر أدت برامج شركات التمويل الأصغر بفضل تكلفة القرض (الفوائد) التي تصل إلى 18% إلى تعميق الفقر، يجب هيكلة هذه الصناديق والمؤسسات ومراجعة قروضها.