الخميس، 23-06-2022
04:45 م
قبل ثلاثة أرباع القرن، أو أكثر قليلا، قدم جدي لأبي، حياته فداء على مذبح البشرية، إذ كان يعاني من مغص شديد في المعدة وإمساك بالغ القساوة. عمي الذي كان أحد العسكر التابعين لكلوب باشا آنذاك، وكان يشاهد الإنجليز الذين يعالجون هكذا حالات عن طريق حقنة شرجية من الألمنيوم مع بربيش وجهاز ضخ يدوي من المطاط، حيث تملأ العلبة المعدنية بالماء والملح الإنجليزي الخاص بالموضوع، ويتم ضخها داخل الجسم عن طريق فتحة الشرج.
قرر عمي تطببيق ما تعلمه من طب دون الحاجة إلى تلاوة قسم أبقراط، فأجرى اللازم، مع فارق بسيط، أنه ملأ الحقنة، إضافة إلى الملح الإنجليزي، بالماء المغلي (ربما اعتقد أنه الأفضل لتمشية المعدة)، وما أن تسلل السائل الحار إلى مصارين جدي المبجل حتى قفز من الفرشة وهو شبه عار وخرج إلى الشارع يصرخ، حتى سقط أرضا. نقلوه إلى البيت مغمى عليه، ومات بعد أيام. مات دون ان يصرخ بعبارة ارخميدس: (يوريكا ...يوريكا) لما خرج عاريا من الماء عند اكتشافه لقانون السائل المزاح.
جدي قدم إسهاما عظيما للبشرية دون تبجح واكتشف قانون: (الماء الساخن يتلف المصارين) .... ومات بلا غثبرة ولا من يغثبرون.
وكان والدي قبل حادثة جدي (عودة)، قدم حاسة السمع على مذبح التضحيات، حيث التهبت أذناه حينما كان طفلا، وفقد السمع في قصة تراجيوكوميدية، لكن العالم اكتشف من هذه التجربة الفريدة ان الزيت في درجة الغليان يؤذي الأذن، وتوقف العلماء عن استخدامه في معالجة التهابات القنوات السمعية.
والدي الأطرش مات ولم يسمع بهزيمة حزيران بعد-فبعد شيخوخة منقوعة بالفقر قام بقلع أسنانه بالكماشة وأحيانا عن طريق ربط الضرس بخيط المصيص وربط طرفه الآخر بباب الدكان العملاق، وكانت مهمتي دفش الباب حتى يخرج السن بكل رباطة جأش. هكذا اكتشف والدي أن الكماشة وخيط المصيص والأبواب العملاقة يمكن تحويلها إلى أدوات جراحة ناجحة في الدول النامية.
وقد حاول والدي وجدي لأمي(معا) تقديم أخي أضحية على مذبح التقدم البشري حين حاولا إدخال حامض النيتريك (مية النار ما غيرها) الذي يستخدم في تبييض طناجر النحاس، حاولا إدخاله في مجال معالجة الحزازات وداء الثعلبة والصدفية وما شابهها. إذ صب الاثنان القليل من مية النار على ثعلبة صغيرة ظهرت في رأس أخي على غفلة من الوالدة. فقد الوعي لعدة ساعات، وتمت الاستعانة بالطب التقليدي (أطباء قسم ابقراط) إلى أن نجا بصعوبة مع حفرة عميقة في الرأس لم تستعد شعرها كاملا حتى الآن.
أنا من عائلة قدمت الكثير من الأضحيات على مذبح البشرية.
وتلولحي يا دالية.