الخميس، 16-09-2021
04:30 م
كلنا يعلم شيئا عن الظروف السياسية التي استدعت تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، وقد شهدت انطلاقة تشكيل هذه اللجنة من 92 عضوا، اهتماما استثنائيا، ويمكن تفسيره عدة تفسيرات، أحدها مدى حاجتنا لمثل هذا التحديث، باعتباره استحقاقا بل حتمية اقتضتها الحالة السياسية المتفاعلة بما ينذر بأكثر من خطر وتحد.
خفت الحديث عن اللجنة، وهذا أمر طبيعي، لكن قد نضيف إليه سببا ساهم في قلة الحديث عنها، وهو متعلق بالتزام رئيسها دولة السيد سمير الرفاعي، حين نأى بنفسه عن التصريحات الإعلامية والسجالات التي دارت، وتطلب الثأر من اللجنة وأعضائها، وكنت قد كتبت مقالا من شأن هذا الاهتمام، ومؤكدا بأنها مجرد لجنة، تم تشكيلها لهدف واحد، وأعطيت فترة زمنية لتحقيق هذا الهدف، وسوف تقدم تصورها الذي لن يكون ملزما لجهة لاعتماده والعمل به، فنحن بلد مؤسسات، وثمة جهات دستورية مناط بها مناقشة ثم إقرار التشريعات في الدولة الأردنية.
ليست مناسبة السؤال عن اللجنة معرفة إن كان الناس ما زالوا يكترثون لأمرها أو يقفون ضدها، او ينتظرون منها خطط إنقاذ، ولا محاولة معرفة ما أنجزته على صعيد المهمة (الوطنية التطوعية) التي تولت تنفيذها، بل السؤال يتقصى: ما هي التشريعات التي اقترحتها اللجنة وناقشتها؟.
وهل شملت كل القوانين في المنظومة السياسية؟..
أسأل حقا عن القوانين الناظمة للعمل الصحفي والإعلامي، التي أدت قلة رعايتها وتطويرها إلى ما نعيشه منذ سنوات.
هلا توفقت اللجنة في بحث هذا التشريع وأهميته بالنسبة لكل المنظومة السياسية؟.
قد أكون أكثر الصحفيين كتابة عن هذا الموضوع، وأكثرهم انتقادا لما يجري على صعيد الإعلام الأردني الرسمي أو الخاص الحر، والخاص المتحرر (الثوري).
في كل مرة تتشابك فيها الجهات المتساجلة، بأحاديث صاخبة حول الإعلام وأهميته ودوره، كنا نطالب اولا بتوضيح تعريف قانوني لـ(من هو الصحفي)، لأنني أجزم أن كثيرا من السياسيين الرسميين والمعارضين وحتى المنظرين (في مزادات الكلام والهرج والمرج)، اتسعت هوامش بحثهم عن مصالحهم وتحقيق أجنداتهم، والاستثمار في غياب التشريعات بل وغياب الثقافة القانونية برمتها عن مجال الإعلام ومن هو الصحفي.
في القانون الذي نعرفه عن المهن، نعلم أن الصحفي هو عضو نقابة الصحافيين الأردنيين المزاول للمهنة، لكن كم من سياسي يعلم بل يفهم بأن هذا هو الصحفي، وهو الشخص الوحيد الذي يفهم بأن (الكلمة والصورة والرواية الصحفية) هي مسؤولية وسلاح، ويوجد لها عدة قوانين تحميها وتحمي المهنيين المنتسبين لنقابتها.
حذرنا مرارا وتكرار من خطر قلة اهتمام الحكومات بالصحافة وبوسائل ومؤسسات الصحافة الوطنية، سواء أكانت حكومية أم شبه حكومية، وحذرنا من تداخل المفاهيم ومن الممارسات السياسية الكثيرة التي تساوي بين الصحفي ومدعي الصحافة، كما حذرنا من خطورة استشراء ظاهرة انتحال هذه المهنة، فالمنتحل لها لا يقدم نفسه لهيئة او جهة حكومية فحسب، بل يقدم خبرا وفكرة للمتلقي، مستغلا قلة إلمامه وعدم معرفته وقدرته على التمييز بين صحفي ومدعي صحافة، فهي المهنة التي لها نقابة، ويمكن لأي عابر سبيل أو طموح أن يدعيها، ويعيث في البلاد والعباد ويكثر فيها الفساد.
انا أعلم وأفهم أن مجتمعا كمجتمعنا لا تكفيه لجنة ولا حكومة ولا مجالس نواب، وتعمل لسنوات، لتتمكن من تغيير مفهومه وثقافته وفكرته عن المسؤولية وقوانينها، فالظواهر الصوتية تملأ المكان، وكثير منها يحتاج الى مستشفيات، وليس إلى ضخ تنويري يعمل على تنضيج ثقافته ووعيه، ليتحدث عن الشأن العام بمسؤولية وقانون، وبذلك ليس أمامنا سوى اللجنة الملكية، لتقدم بدورها فكرة او تشريعا مقترحا، ينظم عمل الإعلام والاهتمام الذي يجعل من الناس تنشر وتبث الكلام، فإن كان الدستور يضمن حق التعبير لكل مواطن، فهو لم يتحدث عن حق النشر لهذا التعبير، لأن النشر له قانون يعرفه الصحفيون، لكن لا يعرفه الآخرون.
يا لجنة التحديث: دعوهم يعرفونه، ويعلموا أن ليس كل الكلام محط اهتمام ويستحق الاحترام، هاتوا قانونا يدعم المنظومة السياسية وينظم عمل الصحافة ومؤسساتها.. ويحميهما من التغزل والتكسب من الحالة القائمة، بينما المجتمع والوطن والدولة يدفعون الثمن.