الإثنين، 06-06-2022
03:57 م
«ما أن وضعت رأسي على الوسادة، وكلي ثقة أنني سأغفو في الحال، حتى سمعت صوت قطرات الماء تتساقط من حنفية في المطبخ أو الحمام. نهضت وشددت الحنفيات بأقصى ما أستطيع. خيّل لي أنني عالجت الأمر، فعدت إلى فراشي» انتهى الاقتباس.
هذه هي الفقرة الأولى من قصة للكاتب الساخر محمد طملية بعنوان «الكابوس» صدرت في مجموعته القصصة «المتحمسون الأوغاد» عام 1984. بطل القصة لا يستطيع النوم نتيجة صوت تساقط قطرات الماء من الحنفية، وهو مهما يشد الحنفيات، يستمر الصوت ينقر في دماغه، ويحرمه من النوم.
بطل طمليه يعتقد في النهاية أن الخلل في (جلدة) الحنفية، فينزل إلى السوق، ويقرر ان يشتري دزينة كاملة من الجلد، حتى لا يتعرض لمثل هذا الأرق مرة ثانية. لكنه يفاجأ بأن الناس جميعا يعانون من الأرق لذات السبب، وهم يصطفون بفوضى عارمة على ابواب الدكاكين لشراء جلد الحنفيات، يتشاجرون ويتزاحمون، كل منهم يريد أن يشتري جلدة، حتى يغير جلدة الحنفية الخربانة لديه لعله يستطيع النوم.
لنبتعد قليلا عن فكرة القلق الوجودي للفرد، التي(قد) تتحدث عنه هذه القصة، ولنمنحها-على سبيل الفضول-ثوبا اجتماعيا، لنقول ان الناس لم يجدوا الحل في البيت فنزلوا إلى الشارع للبحث عن الحل، فوجدوا أن الطريق مسدود، وأن الشارع يعيش في فوضى عارمة، وأن جلد الحنفيات قد نفدت من الأسواق، لا بل أن العديد من المحلات علّقت على بواباتها لافتة تقول: «لا يوجد لدينا جلد للحنفيات، يرجى عدم الإحراج». وهي بالمناسبة العبارة الأخيرة التي تنتهي فيها هذا القصة العبقرية، التي لخصت القلق العام والخاص في صفحة فولسكاب واحدة.
الان وبعد38 عاما ونيف على كتابة القصة، نجد أن قلق بطل القصة، تحول إلى قلق عام في العالم العربي بأكمله، وأن الناس نزلوا إلى الشوارع يبحثون عن خلاصهم.
منهم من وجد جلدة حنفية بعد صراع طويل مع الآخرين، فعاد الى البيت، وغيّر الجلدة القديمة، وحاول النوم لكنه اكتشف أنه امتلك – من خلال هذه التجربة -وعيا اجتماعيا يمنعه من النوم بينما الأصدقاء والأقرباء والأحبة لا يجدون خلاصهم، فاستمر في البحث عن جلد الحنفيات للآخرين.
علينا أن نسرع قبل أن نجد محلات السباكة تكتب على أبوابها عبارة: «لا يوجد لدينا استابكوك، يرجى عدم الإحراج».