الأربعاء، 27-05-2020
03:52 م
صار لديّ اعتقاد أن الناس كسروا حاجز الخوف من الكورونا. يريدون أن يواجهوه ليرتاحوا. فالذي رأى الناس وزحامهم وتدافعهم عندما مددت الحكومة التبضّع إلى الساعة 11 مساء؛ سيدرك أن هؤلاء ما عاد يعنيهم الكورونا والذي خلّف الكورونا. والذي شاهد واستمع وتابع حالة التذمر الجمعي من الأيام الثلاثة للحظر الشامل سيدرك ذلك أيضاً. وما تلاها من حركة وتنقّل ومعايدات وسلام بالأيدي وبوس؛ يقتنع تماماً أن الأمر لم يعد برؤيته حين بدأ!.
هذه هي طبائع الناس في كلّ زمان ومكان؛ التأقلم. ليس مع الارشادات والقوانين وحسب؛ بل مع الذي من أجله أتت القوانين والإرشادات. وتنتصب أمامي تجربتي في السجن قبل ربع قرن حين دخلته وأدركتُ إنني (مطوّل). في البداية كان هناك رفض داخلي له وللسجّان. لا أريد أن استسلم لهما. وحين صار السجن واقعاً حتمياً والسجّان صاحب الكشرة الكبرى هو الراعي الرسمي لتفاصيلك؛ تشحط بريكاتك بلا شعور؛ تتوقف لتسأل نفسك: وبعدين؟ بدّك تقضّيها هيك؟ فتنساب رويداً رويداً. تتأمل كل شيء في السجن. يصبح (مهجعك) هو طمأنينتك في كل السجن. وحين يأتي الشرطي تحاول أن تكون لطيفاً معه وترسل له بعض ابتسامة عربوناً لعلاقة قادمة. وتمرّ الأيام فيصبح لديك أصدقاء من الشرطة بمستويات مختلفة. أحدهم تطمئن إليه كلّيةً وتودعه بعض أسرارك؛ وأحدهم يحترمك وتحترمه بلا اتفاق؛ وأحدهم يواسيك كلّما رآك. هكذا هي الدنيا. وهكذا هو الانسان.
الكورونا الآن هي السجن وتفاصيلها وما ينتج عنها من قرارات هي السجّان. وحين يطول الأمر ستجد نفسك متورطاً مع كامل الأطراف وتحاول أن تجد ثغرات لكي تسرق منهم الحياة وتعيشها بكامل فوضاك وأنت تلعن السجن والسجّان اللذين صرت تألفهما وتضحك معهما بلا تردد..
يتبع...