يصعب أن أكتب انطباعاتي بدقة وأمانة، حين أدخل مخيما للاجئين الفلسطينيين، الذين ما زالوا يقبضون على جمر ظلم يرتكبه العالم بحقهم، حين يصمت بل يدعم احتلالا غير قانوني ولا إنساني لبلدهم، طبعا «لا يوجد احتلال قانوني».. سوى الاحتلال الأخلاقي، الذي تقوم به دول متحضرة، لتزيل دولا مارقة مجرمة تديرها عصابات، لتنقذ شعوبها المنكوبة من القتل والابادة والتهجير والعذاب.. لكن لدينا اطول احتلال لفلسطين العربية، يصمت عنه العالم، رغم إجرامه المستمر، فهو وفي كل يوم يمارس أبشع فنون الجريمة والعنصرية بحق شعب عربي صابر، مسالم، متحضر.. يحب الحياة ويستحقها .
مساء الجمعة؛ فاجأتني اهم دكتورة في الدنيا، دعاء (سنة اولى اختصاص عالي بتخصص امراض الفم للحالات الخاصة في مستشفى الجامعة الاردنية)، وهي اشطر دكتورة طبعا، ولا يوجد أشطر منها سوى اختها الأصغر الدكتورة أسماء (سنة رابعة طب اسنان بالجامعة الأردنية).. وكانت المفاجأة حين قالت تستأذنني :أريد أن أشارك مع مستشفى الجامعة، بيوم طبي في مخيم البقعة، وسآخذ معي أسماء»، واستدركت مضيفة: صار خطأ في الإجراءات، ولم تشارك مستشفى الجامعة بأطباء أسنان، في اليوم الطبي المجاني اللي بقريتنا (مسقط رأسها)، وهي الربة في لواء القصر في محافظة الكرك (جنوب عمان 125 كلم)، وحين سمعت فوجئت، فقد كنت اريد المشاركة في اليوم الطبي تبع القرية، وأقدم خدمة بعيادة الأسنان وليس في عيادة الأمراض الباطنية.. ولهذا السبب حبيت أشارك في البقعة، بعيادة الأسنان، في هذا اليوم.. فقلت حسنا، سأوصلكما الى المخيم، وأتجول بدوري في زقاقه لكن في يوم ألم مجاني..
أي مخيم هو لمن يشعر، عبارة عن لوحة نابضة بالإنسانيات، لكنها عندنا في الأردن أصبحت تعبر عن شعبين منكوبين، الاول هو الفلسطيني البطل، الذي يصبر على كل شيء، ويحافظ على هويته وقضيته، والثاني هو نحن، الشعب الأردني، الذي يتحمل كل أعباء ضياع وتضييع فلسطين وهجرة وقتل شعبها، والذي ربما لم يدرك بعد، بأن هويته بل وبلده أيضا أصبح في عين عاصفة الإجرام وحشد من رغبات خبيرة في التجاوز على القانون الدولي والإنساني.. لكن ثمة فرق جوهري بين الشعبين، فالشعب الفلسطيني يعيش في الأردن كما يعيش في وطنه لو كان وطنه مستقلا محررا، لكن لو تركنا المجرمين الصهاينة وعملاءهم ينفذون مخططاتهم بحق الأردن، فلن نجد بلدا يؤوينا ويعاملنا عندئذ كما تعامل الدولة الأردنية وشعبها إخوتهم الفلسطينيين.
على أي حال أنا تجولت في مخيم البقعة، واشتريت طاقية، وبنطلون جينز ارتديتهما في المحل (أنا حر بتصرفاتي وذوقي، مين إله عندي!)، وأكملت جولتي «القاسية»، وأخيرا رجعت الى سيارتي المركونة أمام دائرة الشؤون الفلسطينية مكتب البلقا، الموجود في البقعة.. وها أنا ذا، أجود على الأردنيين كلهم بوصفة طبية مجانية، للتمسك بهويتهم وبلدهم ومصالحه ودولته وقيادته، ومجابهة المجرمين وعملائهم الأنجاس.. وهي بين وصفات مجانية كثيرة كتبناها في هذه الزاوية وحذرنا منها، لكن لا أحد يكترث فالعملاء يتغلغلون. الوصفة: اكنسوا العملاء أولا.