الوكيل - صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب رواية ‘أساطير رجل الثلاثاء’ 2013، لصبجي موسى وهو شاعر وروائي مصري، من مواليد 1972 والرِّوايَّة هي ثمرة ثلاث سنوات حَصَلَ بها على منحة تفرُّغ من المجلس الأعلى للثقافة.
(1)
الرِّوَاية تندرج من حيث بنيتها الشكلية تحت روايات الشَّخصية أو السِّيرة، وبمعنى أدق السِّيرة الغيرية، فأحداثها تدور عن شخصية ‘أسامة بن لان’ وإن كان السَّرد لا يلتزم بالتتابع الزمني الذي ينشده البناء السِّيري، فقد بدأ السَّارد من نقطة مفصلية، لها تأثيرها البالغ على مستوى الأحداث وأيضًا على مستوى تحولات الشَّخصية، بدأ من اللقاء المؤَثِّر والفاصل في حياة ‘أبو عبد الرحمن’ بلقائه مع ‘أبو سعيد’ الفلسطيني صديق والده في لندن، وهو الشَّاب المستمتع بالحياة حينذاك، ومن لحظة التذكُّر التي هيمنت على الحدث، يعود السَّارد إلى زمن أبعد بكثير من زمن اللقاء، فيحكي قصَّة الأب ‘محمد بن عوض’، وهو في جنوب الجزيرة، وخروجه على قبيلته بعدما ارتبط بابنة عمّه / الميمونة التي أحبَّها، وعندما أراد الاقتران بها امتثالا لوعد عمّه له يوم أن كانا صغيرين، أرادها ابن زعيم القبيلة، وقد بلغه صباها، وما أن اشتكاه الأب للإمام في اليمن حتى استأثرها الأخير لنفسه، وأضافها إلى جواريه المائتين والتسعين، ومنذ هذه اللحظة الفارقة في حياة الأب، والتي كان لها تأثيرها، في العناد والتمرُّد والخروج، تؤسِّس الرِّواية في بنيتها العميقة لسلطة الإمام، بعد أن جرَّدت رئيس القبيلة منها، في إشارة بالغة الدلالة لتأسيس فكرة الخروج على الحاكم في مقابل الإيمان وترسيخ فكرة الولاء للإمام، أي الولاء الديني.
(2)
الرواية تنهض على مساءلة أيديولوحيا الإسلام السياسي، لذا تستدعي ميراثًا مثقلاً من التبريرات، من التاريخ الإسلامي بأحداثه، وشخصياته، هذا الميراث أعطى فرصةً للجميع في استغلاله بإعادة تأويله أو تفسيره حسب الهوى، للخروج من المآزق التي وقعوا فيها، على نحو ما فعل الأب محمد بن عوض، عندما أغارَ على كهف طالبيه في جبل الشعيب، فلم يجد أحدًا ‘غير الزَّاد والقات والبن فأكل وتمطَّى ونام، حين استيقظ وجدَ سبعة من الرِّجال يركلونه بأقدامهم فضحك….، حين رفعوا أسلحتهم وقرَّروا قتله سألوه عن سبب ضحكه فقال: لم أجد أُناسًا يركلون رسول الله إليهم كما فعلتم. فما كان من الجميع إلا أن خرّوا من الضحك’ (الرواية:ص،ص19، 20) ومن التاريخ على نحو ما فعل عمرو بن العاص حين قال لمن شكَّك في شرعية حرب معاوية لعليّ بن أبي طالب ‘ما قتلناه ولكن قتله الذي أخرجه’ (الرواية ص 138، وما بعدها)، وكأنَّ هذا التأويل بمثابة المخرج الآمن له من مقتل عمَّار بن ياسر. وقد تصل الجرأة إلى تزييف أحاديث الرسول على نحو ما فعل العباسيون لتدعيم حكمهم، أو إيجاد مُبرِّر للخروج على الأمويين، وأيضًا ما فعله الشِّيعة حين ادّعوا أن رسول الله حدَّد أمارات المهدي في حديث عن صفية عمة رسول الله، وهي الأمارات التي كانت تتطابق على محمد بن عبد الله المُلَّقَب بالنَّفْس الذَّكِيَّة. كُلّ هذه التبريرات التي رُوِّجت على مرّ التاريخ قديمه وحديثه، أغرتهم بإطلاق الأحكام المطلقة بأنهم أصحاب الحقّ وما عداهم خارج عن إطار الدين.
كما يتقاطع الحاضر مع الماضي في كثافة الدم المراق أو المهدر بالاغتيالات وبالعنف، وفق أيديولوجيا الحاكمية، يتوزَّع هنا وهناك، لم يُفرِّق بين صحابي جليل (عمَّار بن ياسر) الذي قال عنه الرَّسول سوف تقتله الفئة الباغية، أو عدو شريد (كالدب الروسي في أفعانستان، والوحش الأمريكي عبر سفاراته وأبراجه وغواصته). هذا الإطراد في الاغتيالات منذ أن اُغتيل الخليفة الثالث عثمان، يبرز شيوع مِنهاج الأصولية الإسلامية، الذي كان مرجعيةً آمن بها هذا الفصيل، عبر مسيرة التاريخ الممتد منذ تأسيس الدولة الإسلامية، مرورًا ببني أميَّة واغتيال الحجَّاج لعبد الله بن الزبير، والتمثيل به، ووصولاً إلى جماعة الإخوان المسلمين، فترصد الرواية كيفية تشكيل وبروز الجماعات الإسلامية، التي خرجت من رحم جماعة ‘الإخوان المسلمين’، وإنْ حملت أفكارًا مغايرة لها إلا أنها خرجت منها كالجهاد والقطبيين والتكفير والهجرة، والسلفيين وما نتج عنها من أفكار متشدِّدة، أحدثت انقابلات وصراعات على نحو ما حدث مع عباس مدني في الجزائر، الذي أحالَ البلاد بجبهة الإنقاذ التي كان يقودها، إلى ساحة دماء جديدة بعد نزول الجيش، وما أحدثه حزب ‘الجبهة الإسلامية القوميِّة’، بقيادة الدكتور حسن الترابي بإنقلابه على الديمقراطية (حكومة الصادق المهدي)، وتولية عمر البشير؛ ليقيم الحكم الإسلامي، ثم بعدها اعتقله البشير لينفرد بالسلطة ويصبح أبرز جبهات المعارضة ضده في الداخل، وفي مصر ما أحدثته من أعمال عنف كأحداث كالفنيِّة العسكرية وحادثة المنصة التي راحَ ضحيتها الرئيس السّادات نفسه. هذا الميراث لا ينتهي عند مقتل بن لادن كما حدث في الحقيقة في أحد كهوف جبال باكستان أو كما صاغ المؤلف عبر رؤية النهاية الغريبة التي انتهى إليها أبو عبد الرحمن، وإنما هو ميراث أصيل ومستمر مُشرَّب بعقائد هذه الجماعة، على مدار تاريخها، بكبواته الكثيرة وصحواته النَّادرة.
(3)
تتوازى شخصية البطل / أبو عبد الرحمن مع الشَّخصية التي يريدها لنفسه الشَّاعر عمارة بن الوليد، فكلاهما كَتَبَ تاريخه الشخصي على هواه، وكلاهما كان مغامرًا وكلاهما حققَّ الخروج على جماعته؛ فعماره ما أن هامَ بمحظية النجاشي حتى أرسل لأهله قائلاً: ‘اخلعوني فإني قد خلعت نفسي منكم، واتركوني وعمرًا على السفينة’ (الرواية، ص 59)، وشخصية أبو عبد الرحمن في مغامراته وتحولاته، ثم خلعه لنفسه عن أمه وأبنائه وخروجه على جماعة المسلمين عامة بسعيه أن يكون الموجِّه للأمة تأْتمر بأمره وتننهي بنهيه، ففَرَّ إلى جبال باكستان يُهدِّدُ ويتوعدُ.
على مستوى بناء الشَّخصيات تسعى الرِّواية لتقديم صورةٍ متكاملةٍ للشخصية، ولذلك تتوَّسلُ وسليتن: الأولى تتمثَّلُ في إبراز الجانب الإنساني، لدى جميع شخصياتها المتخيّلة / الورقيَّة؛ فنرى لحظات الضعف والانكسار كما في حالة ‘أبو عبد الرحمن’ عند زواج أمه وموت خاله بهاء الدين، ولحظات الندم كما في حالة ‘أبو سعيد’، والصِّراع الدنيوي وما أظهره من أطماع كما في حالات مجد الدين، وصهيب. إضافة إلى الإخلاص والوفاء بالعهد كما في حالة مجد الدين وعلاقته بأبي عبد الرحمن. أما الوسيلة الثانية، فتتمثَّل في أنه لا يقف في بناء الشخصية عند أحدث معينه أو حتى كبرى في حياتها وفقط، بل يرصد تحولاتها وانحرافاتها (ليس بالمعنى السلبي)، وهو ما يظهر جليًا في شخصية ‘أبو عبد الرحمن’ فيرصد السَّرد كيفية تحوّله من شَابّ عابث لاهٍ يعيش في القصور، مفتون بالخيل وبالنساء، حتى أنه نفسه (في تعبيره عن حالة التَّرَف) يقول ‘لم أكن راغبًا في أقصى من هذا، فأطياف المحبين الذين هِمت بهم يمكنني أن أراها في البارات والصَّالات والعري المنتشر بطول البلاد وعرضها (مدينة لندن) يمكنني القبض على بشَّار وعمر بن أبي ربيعة وعمارة بن الوليد والمُنخل اليشكريّ وغيرهم’ (ص 22 والتشديد من عندنا)، إلى مجاهد يحمل السَّلاح تخايله رؤى بأنَّ شبيبًا (شبيب بن يزيد الشيباني، رأس الخوارج) نزل من جواده وأعطاه عاموده ذي الرأسين، ويضع الخطط الحربيَّة ويقود الرِّجال على قمم الجبال. يقود التنظيم الدوليّ ويُعلن الحرب على الملاحدة، ثمَّ تتجَّه أنظاره لمحاربة أعداء الإسلام في كلِّ مكانٍ، وتحقيق حُلم الدولة الإسلامية مع صديقه ‘أبو سعيد’. والتحوُّل من الطفل الوديع إلى المعاند لأمه بعد زواجها بعد وفاة والده. التحولات تشمل الجميع بما في ذلك الدول التي كانت ‘حليفًا’ ثم صارت’ضدًا’، كالسعودية وأمريكا.
(4)
ليس ثمة شك في أن النَّصَّ بتعبير باخيتن (بولفوني) ،فثمَّة تعدُّد على مستوى الأسلوب وعلى مستوى الضمائر، وتنوعها بين الأنا المفرد والجمع / النحن، والغائب الـ هو، والأنا الذي يمكن استبداله بالهو وأيضًا المخاطب / أنت، وعلى مستوى عدد المنظورات السردية ووجهات النظر، وأيضًا على مستوى آليات السَّرد. بالنسبة للتعدُّد على مستوى السَّرد يتجاور السَّرد التاريخي الذي يقوم على رصد معلومات حقيقيَّة، عن أشخاصٍ تمَّ استبدال أسمائهم بكنى ، يستعيدون بها شخصيات الزمن الماضي، في إشارة ذات مغزى لفكر الأصولية الذي يرفض أن يخرج من عباءة الماضي، ولنا أن نتأمل هذا التشبيه ‘كنت في نهاية الليل أقود العربة كرمح انطلق من قوسه’ (الرواية ص25) فهو صورة كما يقول محمد السِّيد إسماعيل ‘تجمع بين منتجات الحداثة والوعي البدوي الذي يعيش زمن الرمح والقوس، ممّا يُعمِّق القدرة السابقة عن انفصال الوعي والاحلام والخيالات عن واقع الحياة’ (مجلة نزوى، عدد 75). الخطاب الروائي بصورته هذه يُقدَّم كمعطى تاريخي صائب وغير قابل للتشكيك، رغم عدم الإشارة في نهاية النص إلى مصادره التي من المؤكد أنها تنوَّعت ما بين كتب تاريخية ووثائق وخلافه. والسَّرد التخييلي، الذي قد يكون بديلاً لتجسيد رؤيا غائبة كما هو الحال في السَّرد عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فما يقدمه السَّرد، لا يرقى للحقائق، وإنما هو أقربُ إلى التخييل، بل التخييل المرجو والمأمول (إن جاز) من قبل أيديولوجيا المؤلف الضمنى التي تتطابق مع أيديولوجيا المؤلف الحقيقي. وقد يلجأ في أحايين كثيرة إلى التداعيات الحرّة التي تطرِّد داخل النَّص سواءً من شخصية البطل (أبو عبد الرحمن)، أو صديقه أبو سعيد، وهي أشبه بمنولوجات ذاتية، وهو ما يشير إلى تدخُّل أيديولوجيا المؤلف الضمني في السَّرد، وقد تأتي كنوع من مراجعة الذات لمواقفها في لحظات الهذيان.
وتقديم التاريخ بهذا المعطى يوسِّع أفق الرواية، كسردٍ معرفي، يتداخل ويتشابك مع كافة العلوم والمعارف والفنون أيضًا، بل يمكن عدُّها وثيقةً حيَّة، يُسْترشد بها، متجاوزةً وظيفة التسلية أو تزجية وقت الفراغ التي اُلْتصِقَتْ بها عهودًا طويلة منذ بدايات التأسيس، وهو الاتجاه الذي سلكته الرواية في الأونة الأخيرة كاختبار لقدرتها المرنة تارةً، واكتشاف لموضوعاتها تارةً ثانية، وقبلها كمسعى تجريبي قادر على خلق قوالب جديدة تارة ثالثة, وهو ما يُعزّز من المقولة الرائجة عنها باعتبارها نصًا مفتوحًا ومرنًا، قابلاً للتشكُّل والتداخل مع كافة الأنواع، مع الاحتفاظ باستقلال بنيتها الروائية.
‘
‘ كاتب من مصر
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو