كثيرة هي الظواهر المُستحدثة التي أقحمت نفسها في البيت الأردني، وكثيرة هي النماذج الاجتماعية الغريبة والمستهجنة التي فرضت نفسها دون استئذان على عقلية المواطن الأردني، فلا يكاد المُتأمل في سلوكيات افراد مجتمعنا ينتهي من تأمله في ظاهرة جديدة، حتى تظهر امامه آخرى لا تمت لسابقتها بأي صلة، والأهم انها لا تمت لقيّم مجتمعنا وتاريخنا بأية علاقة.
لسنا هنا لنستعرض هذه الظواهر الغريبة بجُملتها ولا تكفي هذه السطور لتحليلها او الإحاطة بها، لكن دعوني احدثكم عن ظاهرة بتنا جميعنا مشاركين فيها ومتساهلين في أسباب تكاثُرها، فنحن الأباء والأمهات مسؤولين عن بناء عقلية ابنائنا وخلق انماط التفكير لديهم، واكثر ما أخشاه على ابنائنا الذكور في وقتنا الحاضر هو عقلية التقليد التي بدأت تترسخ كمكون أساسي في شخصيتهم، فالبعض منا لا زال يخلط ما بين الموضة والحداثة ولغة العصر من جهة، وبين تنشئة الجيل على ثقافة التقليد الخطرة وضياع هويتنا الاصيلة من جهة اخرى.
أرجوكم ... دعونا نقف باهتمام عند إحدى الأمثلة المنتشرة بكثرة بين أبنائنا والمتمثلة بقصات الشعر الغريبة التي يتنافس اولادنا على التجمُل بها، فلا اكذب ولا أبالغ أن قلت لكم أنني يوماً لم أعرف إبني الذي ظننته إبن الجيران عندما وقف بباب المنزل بعد عودته من صالون الحلاقة، قصات غريبة وفي نظر الكثير منا نحن الاباء بشعة جداً ، تارة يحلقون محيط الرأس دون بقيته المتناثرة الكشة أعلى الرأس، وتارة يسدلون الشعر المُجعد طويلاً فوق الاكتاف، وتارةً اخرى يرسمون (شطبات) غريبة نرتعد عند مشاهدتها خوفا ان تكون جروحاً قد اصيبوا بها، وفي كثير من الاحيان يكون لهذه القصات قصص ترتبط بالمشاهير مثل نيمار ومرسيللو وحسن الشافعي....وآخرين بالتأكيد لا نعرفهم.
الخطير بالموضوع، ان القضية عند الأهالي ليست بهذه الاهمية التي احاول ان اطرحها ، فما يلبث هذا الشعر ان ينمو فتختفي ملامح الجريمة التي اقترفها ابناؤنا في نظرنا نحن الاباء، ولعل بعض الامهات تقول لا ضررمن التجربة خصوصاً اذا تم نشر صورة المحروس الجديدة على الفيس بوك ولاقت الاحسان عند بقية الخالات والعمات اللواتي يعلقن عليها بعبارة (بجنن ما شالله عليه). الموضوع في نظري اعمق من شعر ينمو أو يُحلق بل تجاوز صالون الحلاقة وانتقل الى الصالون الثقافي ولربما وصل الى الصالون السياسي ... ببساطة نحن نشجع ابنائنا على التقليد، نحن نتساهل في درس الهوية والشخصية الذي يحتاجه الابناء منا في هذا العمر، بل نحن نطمس ارث الاباء والاجداد بمقص الشعر مقابل حفنة دنانير شهرياً فقط حتى (لا نكسر بخاطره) .
قبل ان اكتب هذه الكلمات حاولت ان اتعرف على تلك الشخصيات التي يقلدها ابناؤنا ، واؤكد لكم ان اولادنا يتقنون جداً تقليدهم ، لكن ما راعني ان الكثير من هؤلاء النجوم قد غطوا اجسادهم بالوشم المسمى تلطفاً تاتوو ، على الرقبة والاكتاف والسواعد والافخاذ والاقدام ... وبالتأكيد... المخفي أعظم . رسمات وعبارات وشعارات ملونة رسُمت بمهارة فائقة واتقان حتى غدت اجسادهم كالحرباء كلما تحركت ظهر منها لون جديد، ولا تتعجبوا ايها الاهالي مثلما تعجبت انا عندما علمت ان عمان الان تحتضن بعض المحلات المرخصة لرسم التاتوو وقطعاً مطلوب للعمل موظفين يتقنون رسم التاتوو.
السؤال المطروح ... ماذا لو طلب مني ومنك المحروس ان يرسم التاتوو على ساعده؟ هل سنقول له عيب أو حرام أو نكتفي بصفعه على وجهه فيعرف الجواب لوحده؟ ماذا لو لحق بكِ أيتها الام الى المطبخ اثناء حصة الجلي وبدأ يحشد عواطفك تجاه الاب المتخلف؟ هل ستكونين صارمة وتقولين لا ؟ أم هل سيقايضك على تنظيف غرفته يومياً وتحسين علاماته في الرياضيات والعربي لتبدأي المفاوضات مع الاب المتصلب؟ ماذا لو عاد الصبي يوماً وعلى جسده التاتوو الابدي هل سنغضب ونطرده من المنزل يوماً أو يومين يقضيها في الغالب في منزل جده؟ ام سنبدأ بحجز المواعيد في عيادة الجلدية لازالته مقابل مبالغ تكسر الظهر؟ في تلك اللحظة التي لا اتمنى ان تأتي ابداً، علينا ان نكون صادقين مع انفسنا ، علينا ان نعترف اننا كنا ولا زلنا جزءاً من المشكلة ، عندما سمحنا لابنائنا تقليد غيرهم .
ماذا لو قلت لكم أيها الاهالي ان التطرف له انواع واشكال ومظاهر، وان التحلل من قيم المجتمع السائدة والتمرد على الاعراف والتقاليد الراسخة هو من أخطر انواع التطرف، فكما اقصى اليمين تطرف فأن اقصى اليسار تطرف ايضاً. لماذا هذه المخاطرة ؟ لماذا ننتظر حتى يشتد عودهم لننهيهم عن شيء زرعناه بأيدينا فيهم وهم عجينة بأيدينا؟ في تلك اللحظة لن تسمعي ايتها الأم عبارة بجنن وماشا لله عليه ، بل ستسمعين عبارة الله يخزيه ويخزي اللي رباه... احذروا ايها الوالدين فالتاتوو قادم.
بقلم د. محمد عارف
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو