الوكيل - الدكتور سميح مسعود، أديب فلسطيني متعدد الاهتمامات، وأكاديمي متميز، لا يكاد يستقر على جنس أدبي محدد أو أسلوب واحد، فقد كتب الشعر والنقد والسيرة الذاتية.
وإن المحاور ليحتار حقاً في مقدمة مكثفة ومختزلة يمكن أن تشير إلى سيرته الأكاديمية والثقافية والحياتية الشاملة حيث يمتلك الرجل رصيداً معتبراً على الصعيدين العربي والدولي في مجال الأبحاث والدراسات الفكرية والاقتصادية، فقد نُشرت أبحاثه ودراساته في كتب جماعية ودوريات متخصصة وصحف ومجلات عربية وكندية، منها جريدة الحياة اللندنية، ومجلة المصارف التي يصدرها اتحاد المصارف الكويتية في الكويت، ومجلة النفط والتعاون العربي التي تصدرها منظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) في الكويت، ومجلة المستقبل العربي التي يصدرها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت.
وقد صدر له خمسة عشر كتاباً في مختلف المجالات الاقتصادية باللغتين العربية والانجليزية، وهو حاصل على درجة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة بلغراد عام 1967، وعضو في أكثر من هيئة أو رابطة أو لجنة هامة، فقد انتخب في عام 1990 رئيساً للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين- فرع الكويت، وعمل مستشاراً اقتصادياً في ثلاث مؤسسات إقليمية عربية، وساهم في عدد من اللجان التابعة للأمانة العامة لجامعة الدول العربية، كما ساهم في عدد من المؤتمرات والندوات العربية والدولية في مجال النفط والتنمية والاستثمار والتمويل والتكامل الاقتصادي العربي. وهو يعمل حالياً مديراً للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال بكندا.
ولتعريف العالم بإبداع العرب وحضارتهم المدهشة فقد ساهم الدكتور سميح مسعود مع بعض إخوانه من المثقفين العرب المقيمين في كندا بتأسيس الصالون الثقافي الأندلسي في مونتريال بكندا كرافد ثقافي للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط .
بقي لي أن أشير إلى أن الدكتور سميح من مواليد مدينة حيفا بفلسطين المحتلة عام 1938، وهو يحمل الجنسيتين الأردنية والكندية، وهو يعتبر في الوقت الحاضر نموذجاً للمثقف العربي الملتزم بقضايا أمته، والحوار معه ليس سهلاً على الإطلاق، فهو يمتلك رؤية فكرية عميقة ومختلفة، وطروحات جريئة قد تكون صادمة أحياناً في العديد من القضايا الفكرية والاقتصادية والسياسية والفلسفية.
حول تجربته الإبداعية والعلمية والثقافية الثرية ومشاريعه المستقبلية كان هذا اللقاء:
*سميح مسعود معروف لنا كباحث اقتصادي، إضافة الى جهودك الشعرية والأدبية، فأنت تكتب أيضاً المقال النقدي وأصدرت عدة كتب منها موسوعة اقتصادية، برأيك كيف يمكن لكل هذه التركيبة المتشعبة أن تنسجم في شخص واحد، وإلى أي خانة من هذه الخانات تريد أن تنتسب؟ وهل أنت راضٍ عن مسيرتك حتى الآن ؟
*التركيبة التي تذكرها تدور حول ‘الكتابة’ التي تبدأ فطرية ثم تنمو وتتطور مع كثرة القراءة، وتتطور العناصر التكوينية لمسيرة الكاتب الحياتية بكل مافيها من تحولات، وتراكمات معرفية وثقافية. بالنسبة لي أحاول الكتابة بأشكال مختلفة علمية وأدبية، فقد ساعدني تحصيلي العلمي على الكتابة في مجال الإقتصاد، وتعمدت أن أدون نصوصي حول الواقع العربي الراهن بنبرات السهل الممتنع، بلغة سهلة واضحة بعيدة عن التعقيدات المصطنعة، قريبة من لغة الكتابة الأدبية، خاصة اللغة التي استخدمتها في كتابة موسوعتي الإقتصادية التي أصدرتها بجزأين، وقد بذلت طيلة ما يزيد عن أربعين عاماً جهداً كبيراً في تأليفها، كما قادني تعلقي بالشعر والأدب منذ بواكير أيامي إلى التعبير عن قضايا كثيرة متعددة الأبعاد بملامح شعرية ونثرية، وكذلك دفعني نزوعي الدائم في متابعة النصوص المنشورة إلى تسجيل مضامين محدودة في مجال المقالة النقدية.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال فانني أترك القارئ أن يضعني في الخانة التي يجدها مناسبة لي. وأجدني هنا راض ٍ كل الرضى عن مسيرتي لما قدمته في مجال الكتابة العلمية، فموسوعتي الاقتصادية تعتبر في نظر النقاد الأولى باللغة العربية عمقاً واتساعاً، أما بالنسبة لمسيرتي في مجال الكتابة الإبداعية فإنني لم أتمكن بعد من تحقيق طموحاتي في مجال الشعر والأشكال الأدبية الأخرى.
*هل لنا أن نعرف كيف تسلل إليك هاجس الكتابة، وما هي طبيعة التصور الشعري الذي تم على أساسه ديوانك الأول (الوجه الآخر للأيام)، وهل هناك مشاريع شعرية قادمة في المدى المنظور؟
*الكتابة تشكلّت ونمت معي طيلة مسيرتي الحياتية، بدأت غوايتها مع مواضيع الإنشاء في المدرسة، سكنني هاجسها مع الايام، ووجدت في الكلمة المكتوبة ملاذاً، ألجأ إليها للتعبير بما يجول في ذهني من أفكار بتراكيب ودلالات يتداخل فيها الذاتي بالعام، وتتشعب في مجالات ثقافية وأدبية، أحاول فيها دوماً أن أعكس آرائي بما يحيط بي من تحولات وقضايا مطروحة. وفي ظل عشقي المسرف بالكتابة أصدرت ديواني الشعري الأول بهاجس التعبير عن المكان المفقود في حياتي، استلهمت ما في ديواني من مرايا المكان الوطن في حلقات زمنية متتالية تتصل في جذورها مع بدء النكبة الفلسطينية وخروجي قسراً من بيتي، تلازمت قصائده مع معاناة الشتات في سياقات دلالية واسعة تداخل الزمن فيها بفضاءات مسكونة بالرحيل والنفي والغربة. إنه بالنسبة لي مجرد بداية والنص الشعري الذي أريده لم أكتبه بعد، أحس به، أحمل صوره ومعانيه في داخلي، سأخرجه إلى النور في قادم الأيام.
* ساهمت مع مجموعة من الإخوة العرب في تأسيس الصالون الثقافي الأندلسي في مونتريال بكندا كرافد ثقافي للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط ؟ أرجو أن تعطي القارىء العربي نبذة موجزة عن جهودكم في هذا الإطار؟
*تم تأسيس الصالون الثقافي الاندلسي قبل ثلاث سنوات و تم تسميته بالأندلسي لما في هذه الكلمة من بصمات فكرية وثقافية إنسانية النبض، تُذكر بابن رشد الذي يعتبره الغرب أحد دعائم نهضته التنويرية، وتُذكر بابن ميمون الذي يُعبر تألقه في الأندلس على احترام الأخر والتعايش معه، وهذا ما نحتاجه في هذا الزمن الذي تشتد فيه التفرقة بين أبناء الوطن الواحد، ويتم إقصاء الأخر بسبب اختلاف الدين والمنبت.
كما تُذكر أيضا ً بالشاعر الكبير ابن زيدون وولادة بنت المستكفي، وابن حزم الأندلسي، وابن عربي الأندلسي، الذي اهتم بنشر الإخاء والمحبة بين الناس على اختلاف منابتهم ومعتقداتهم، وغيرهم من الشعراء والكتاب الذين رسموا صوراً مثالية للعلاقات ما بين الناس، وساهموا في صياغة حضارة إنسانية، كان لها أثرها الكبير في العالم أجمع.
وقد انعكست هذه النظرة الرحبة للزمن الأندلسي على ما قدمه الصالون من انجازات ملموسة حتى الآن، تتجسد بعقد ما يقرب من عشرين أمسية ثقافية في مدينة مونتريال، وإصدار أحد عشر كتاباً ورقياً بالتعاون مع دار فضاءات الأردنية، وستة كتب الكترونية، وهناك سبعة كتب ورقية أخرى ستصدر بالتعاون مع نفس الدار في الشهرين القادمين، كما أطلق الصالون جائزة فلسطين للإبداع التي تحمل دورتها الأولى للعام الحالي اسم الأديب غسان كنفاني، وقد فاز فيها ستة كتاب وشعراء عرب، و في مجال علاقته بالدول العربية وقع الصالون اتفاقية تعاون مع رابطة الكتاب الاردنين، من ثمارها إصدر كتاب بعنوان ‘ القصة في الأردن بين الريادة والتجديد’، ووقع اتفاقية أخرى مع رابطة شروق الثقافية في مدينة باتنة الجزائرية، من ثمارها الاتفاق على إصدار ثلاثة دواوين شعرية ورواية، واصدارات وفعاليات اخرى متبادلة من المؤمل ان تساهم في إثراء المشهد الثقافي العربي.
*يتجاذب العالم العربي، تياران، تجاذب النقيضين، ليلتقيا في آخر المطاف عند حتمية النتيجة الواحدة، تيار قومي عربي نهضوي حاول جاهداً التملص من التأثيرات الأجنبية، وهذا التيار علماني يرفض الدين دون مناهضته أو محاربته، وتيار أصولي، يقول بأمة إسلامية واحدة موحدة، فيدعو لما ثار عليه القوميون النهضويون أوائل هذا القرن، ألا وهي الدولة الشرعية، على غرار الدولة العثمانية، برأيك دكتور سميح، ما هو التيار الثالث الذي يمكن أن يقود الأمة باتجاه تحقيق أحلامها وتطلعاتها وآمالها بعد ان أخفق الجميع حتى الآن في الوصول الى الغايات المنشودة ؟
*الذي يهمني هو واقع العالم العربي المأزوم في ظل ظروفه الراهنة وما يواجهه من تحديات جسيمة، تتجسد في احباطات المسار التنموي العربي واستمرار القصور الهيكلي في بنية الاقتصادات العربية وهشاشة أسسها البنويية، إضافة إلى تخلف مؤسسات الحكم فيها في ظل ظروف يعمها الفساد والاستبداد وغياب الديموقراطية والحقوق المدنية والسياسية للمواطنين، والحل لا أجده في التيارين السابقين، في أدلجة الدين والقومية، بل في إقامة الدولة المدنية التي يحكمها القانون وتكفل المواطنة المتساوية لكل المواطنين بغض النظر عن منابتهم ومعتقداتهم وفكرهم، الجميع شركاء في الوطن دون تهميش أوإقصاء.
بإيجاز، الدولة المدنية هي وحدها القادرة على إلحاق الدول العربية بركب الدول المتقدمة، وإدخالها في رحاب القرن الحاي والعشرين، إنها الركيزة الأساسية للنهضة المنشودة.
*دكتور سميح، بقدر ما تبدو في ظاهرك كائناً هادئاً فإنك في عمق شخصيتك لست كذلك أبداً، فأنت مليءٌ بأسئلة الوجود إلى ما لانهاية، فهل أنت كذلك حقّاً؟ وهل أنت استفزازي مشاكس بطبعك ؟
*أنا لست مشاكساً بأي حال من الأحوال ، كل ما في الأمر إنني أميل إلى مقاربة الظواهر السلبية مهما كانت بنقد موضوعي هادئ على نحو مباشر، بعيداً عن نوازع الإثارة والخصومة الشخصية، من جانب آخر أنا لست مليئاً بأسئلة الوجود إلى ما لا نهاية، وبدون إشارات وعلامات مبهمة يهمني أسئلة أخرى عن تجربة الوجود الإنساني في أبعادها الثقافية والمعرفية والفكرية والانسانية، وما يتفرع عنها من قهر الإنسان للإنسان وظلمه واستغلاله وعدم الإعتراف به، أي أنني مليئ بالهموم الإنسانية، لهذا أتعاطف كثيراً مع السكان الأصليين في كندا، وأتحسس مشاكلهم ومشاعرهم ومعاناتهم اليومية، وأشعر كفلسطيني أن تجربتهم الوجودية تخصني، وقد عبرت عن اهتمامي بهم بمقالات كثيرة، وبقصة قصيرة نشرتها في العام الماضي بعنوان ‘جزيرة في نهر سان لوران’ اعتمدت فيها على مخزون وافر من الأفكار والمعاني ذات الصلة الوثيقة بالحمولة التراثية للهنود الحمر من قبائل ‘الإيريكويس′ في قرية ‘هوشيلاجا’ التي عاشوا فيها منذ ألاف السنين، وتحولّت في ما بعد إلى مدينة مونتريال الحالية.
*يعاني العالم العربي من ضعف الصلة بين الأدب وقرائه .. بين الشعر ومتذوقيه.. بين الثقافة العربية وأبنائها… ما مدى استفحال هذه الظاهرة في الغرب، وفي كندا على وجه التحديد؟
*بداية لا بد لنا من الإعتراف بأن أمتنا لا تقرأ، هناك بيانات رقمية مخجلة تبين واقع عربي مؤلم في مجال القراءة والثقافة واكتساب المعرفة في كل الدول العربية بلا استثناء، والذي لا يقرأ يسير في الدنيا بمصباح لا يضيء، لا يرى ما حوله رؤية صحيحة، يدرك حقائق الحياة ببساطة وسذاجة، ويتشبث بالتقاليد والأفكار البالية، ويصعب عليه بناء مستقبل أفضل يحمل مفهوما عصريا ً للحياة.
أما بالنسبة إلى الشق الثاني من السؤال، فان هذه الظاهرة التي تستفحل في الول العربية لا وجود لها في كندا، الثقافة فيها في قمة التفتح والإزدهار تعتبر أحد اهم العوامل الأساسية للتنمية البشرية، لكونها أداة فعالة لصقل المواهب الفردية ودفعها نحو الإبداع والتميز، ووسيلة مهمة لتعبير المواطن عن نفسه والتعرف على ذاته، وكندا لا تهتم فقط بتطوير وتنمية ثقافتها الوطنية فحسب، بل تهتم أيضا بدعم الثقافة الإثنية للجاليات المهاجرة، ومنها الجاليات العربية، وخير مثال على هذا مهرجان العالم العربي في مدينة مونتريال، الذي يواصل تألقه في دورته الرابعة عشرة خلال الشهر الحالي، ويعتبر أحد أهم المعالم الثقافية و الفنية في كندا، يشارك فيه في كل عام نخبة من الأسماء العربية اللامعة في مجالات الغناء والموسيقى والمسرح والادب والتراث والفكر، وتدعمه مؤسسات كندية ثقافية وإعلامية وتجارية حكومية وخاصة، كما يتناوب على رئاسته الفخرية في دوراته السنوية، زعماء أحزاب ورؤساء حكومات وشخصيات سياسية ورجال أعمال، ويُشهد له بأنه ساهم من خلال مسيرته منذ مطلع القرن الحالي في فتح آفاق واسعة للحوار بين كندا والوطن العربي، ومد جسور التعارف مع الجاليات الإثنية الأخرى في مونتريال وبقية المدن الكندية.
*هناك حالة من الوهن الذي تعيشه ثقافتنا اليوم بالمقارنة مع مرحلة الستينيات والسبعينيات، هل صحيح أن الهبوط السياسي العربي قد جرَّ معه الأدب وأنواع الفنون الإبداعية الأخرى، بمعنى آخر، هل صحيح أن الوطن العربي يعيش حالة ذبول في الإبداع الثقافي؟ وما مدى إقبال القارئ الغربي على الأعمال المترجمة عن العربية ؟
* الثقافة العربية في أزمة، لا يمكن حلها في ظل أنظمة تعمل على تحجيم بل حتى إلغاء دور المثقفين، واحتضان أشباه المثقفين وجعلهم تابعين للأجهزة الحاكمة، في ظروف استلاب اجتماعي وثقافي وسياسي، الجميع يعلم أبعاد ذلك لكن الحلول مهملة، وأعتقد أن الحل المطلوب يكمن في تصفية استبداد الأنظمة للثقافة، وفي صون حقوق الفرد وحريته في الرأي والاعتقاد، وهذا يعني أن ديمومة التنمية الثقافية وتطورها يتم فقط في ظل الديموقراطية وحرية التعبير، وهذا ماتفتقده الدول العربية في الراهن المعيش.
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال، يمكنني القول ان الكتب العربية المترجمة لا تجد رواجاً ملحوظاً في الغرب، الأعمال العربية المترجمة في كندا محدودة جداً لا تزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، وبشكل عام غير مقروءة، القارئ الكندي يهمه الكتب المكتوبة باللغتين الإنجليزية والفرنسية، بغض النظر عن جنسية الكتاب، ولهذا يوجد في كندا حضور لكتاب من أصل عربي يكتبون باللغة الفرنسية مثل إدوارد سعيد وأمين معلوف والطاهر بن جلون.
*زاد الحديث عن موت الاشتراكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والأنظمة الاشتراكية. هل سقطت الاشتراكية حقاً ؟ وكيف تنظرون الى قضية الفكر الماركسي في ضوء الوقائع الأخيرة، وهل تتفق ووجهة النظر القائلة بأن الماركسيين أو مؤيدي الشيوعية قد تشعبت أراؤهم فلم يتحدوا حول توجّه ما إنما انضم بعضهم إلى التيار القومي، ورفض البعض الآخر التمييز بين الرؤية الدينية والتصور القومي الوحدوي، فنظرتهم للأمة العربية نظرة إقليمية، لا تتجاوز مدى جغرافياً وإنسانياً، و يرفض بعضهم نوعاً ما انتماءه العربي ونستشف عند البعض الآخر تناقضاً داخلياً، إذ ينتقد علناً التيار الأصولي، ويعلن ميوله الماركسية للملأ، ويعود ليقر أصله الإسلامي وتجذره في التراث الديني العربي، فيتخلل نظرته للإنسان والمجتمع، تصور إسلامي. ما رأيك ؟
*الاشتراكية لم تسقط ، خسرت معركة من معاركها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، لكنها ما زالت مستمرة في التطبيق، هناك دول يتجاوز عدد سكانها خمس سكان العالم تحكمها أحزاب شيوعية، وهناك دول كثيرة في أسيا وامريكا الاتينية تطبق نماذج اشتراكية بمعايير خاصة بها بعيدة عن تخطيط الاقتصاد المركزي، واعتماد أكبر على الأسواق، وهناك أحزاب شيوعية واشتراكية كثيرة نجحت في الانتخابات البرلمانية في دول المنظومة الاشتراكية السابقة وآسيا وأمريكا اللاتينية، وحققت انجازات وتحولات نوعية في بلدانها لصالح الاشتراكية، وعموماً يمكنني القول أن الاشتراكية ستبقى حية مع بقاء استغلال الإنسان للإنسان، وسوف يبقى فكر الاشتراكية العلمية حياً مع بقاء الرأسمالية، ويزداد هذا الفكر أهمية في الوقت الحالي مع انهيار الليبيرالية الراسمالية المتوحشة، التي حولت الاقتصاد الرأسمالي الى كازينوهات قمار صخمة للمضاربات، وأدخلت الاقتصاد العالمي في أزمة ضارية بدأت قبل خمس سنوات ولم يخرج منها حتى الآن، تتجاوز في تداعياتها كل مألوف، محملّة بقضايا إجتماعية ومعيشية تتفاقم يومياً وتتجه من سيء إلى أسوأ بدخول بعض الدول الرأسمالية الصناعية الكبرى في نفق مرحلة صعبة من الركود.
أما عن الشق الثاني من السؤال، أجد تركيبه اللفظي لا يعبر عن واقع حال اليسار العربي بأي شكل من الأشكال، فيه تعميمات واستنتاجات غير واقعية، وكل ما في الأمر أن اليسار العربي بكل اتجاهاته يعيش في أزمة بدأ تفاقمها منذ فترة طويلة، هي موضع نقاش من قبل المعنيين بها، والخروج منها يستوجب إجراءإصلاحات جذرية من أجل النهوض بدور اليسار العربي من جديد، خاصة في الوقت الحاضر، في ظل الحراك الجماهيري القائم في كثير من الدول العربية من أجل ترسيخ دعائم الديموقراطية والعدالة الاجتماعية .
*من خلال قراءتنا لسيرتكم الذاتية (حيفا…بُرقة.. البحث عن الجذور)، نلحظ أن هناك التصاق عميق في الماضي، وحنين صادق للوطن، وفي السيرة يمتزج اللون والصوت والرائحة، وكل فصل من فصول السيرة هو شريحة نابضة من الماضي بكل مواصفاته وتناقضاته، وقد اتسمت السيرة في الوقت نفسه باللغة الشعرية وبقدرتها على استحضار الماضي وصناعة الأسئلة التي لونّت السيرة بالدهشة، فماذا تقول للقارىء عن هذه السيرة ؟
*يتضمن هذا الكتاب جزءًا مما تختزنه ذاكرتي عن أيام مضت في فلسطين عشتها قبل النكبة والهزيمة، سجلّتُ فيها لحظات تدغدغني وتحرك مشاعري، تتطوف بي دوماً في مسقط رأسي حيفا وقريتي بُرقة، أردت من خلالها بتلهف زائد البحث عن فتات من جذوري، إستحضار طفولتي بوعي حاضري الذي أحياه، وإعادة نصوص غائبة تراكمت في داخلي موشومة بخطوط متماوجة من جذور بلادي، أتلمس فيها مشاهدَ ماقبل النكبة، تتصل بقرى ومدن فلسطينية كثيرة، بكل ما فيها من مآثر تراثية، وما فيها من حواكير وأشجار وحقول وحتى أتلام الأرض وامواج البحر موجة موجة، ليس من أجل البكاء على الأطلال، بل من أجل التأكيد على عمق جذوري وجذور غيري من أبناء بلدي في فلسطين .
*احتوى كتابكم الصادر عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمان عام 2012م بعنوان (رؤى وتأملات) على جملة من النصوص المتنوعة السرد المفعمة باشتغالات التجريب الجمالي والبحث الرصين في التقاط الأفكار في أسلوبية سردية تمزج بين النص النقدي والسردي، فما هو برأيك الشيء الجديد الذي يميز هذه التجربة عن بقية اعمالك الإبداعية ؟
*تمكنت في هذه التجربة التعبير عن أرائي وأفكاري عن عذاب الإنسان وآماله ومستقبله وسعادته المسروقة، عبرنصوص وتكوينات مفهومية اقتربت بها أكثر فأكثر من اختلاجات ثقافية وأدبية ونقدية وفكرية يسودها العمق والصدق .
*كيف ترى مسؤولية المبدع في صنع المستقبل العربي، وما هي حدود العلاقة بين الإبداع والحرية من وجهة نظرك؟
*على المبدع أن يحتج ويتمرد على الاوضا ع العربية المتردية من أجل صنع المستقبل العربي المنشود، عليه أن يقترح الحلول اللازمة لتخليص المواطن العربي من قيوده والتصدي للتحديات التي تواجه المجتمعات العربية بكل أشكالها الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ولا يمكنه القيام بكل هذا في منأى عن الحرية لأنها المفتاح السحري لقدراته الإبداعية، بالحرية وحدها يكون في ميسوره الإلتزام بمجتمعه وقضاياه المصيرية، بمعزل عن كل أشكال الضبط وممارسات الرقابة والتسلط.
* دكتور سميح، منحت الأكاديمية السويدية الكاتبة الكندية أليس مونرو جائزة نوبل للآداب للعام 2013م، وهي أول كاتبة كندية تفوز بهذه الجائزة والمرأة الثالثة عشرة ألتي تدون إسمها في سجل هذه الجائزة، فما رأيكم بهذا الفوز ؟ وهل ترون بالفعل أن هذه الكاتبة هي واحدة من أبرز الأصوات الإبداعية في كندا في الوقت الحاضر أم أن هناك كتاباً كنديين أخرين كانوا أحق منها في الجائزة ؟
*أليس مونرو تستحق هذه الجائزة بجدارة، لأنها أستاذة القصة القصيرة المعاصرة كما أعلن سكرتير الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، فقد تمكنت خلال اكثر من نصف قرن إنجاز سلسلة مجموعات قصصية ذات قيمة إبداعية متميزة، تقوم نصوصها على عملية بنائية مركبة تجمع ما بين تدوين تصورات خيالية غير مرئية، وإعادة خلق مشاهد الواقع بأبعاد معنوية ومادية للمكان بجمالية فائقة، تظهر فيها بصورة واضحة حركية الحياة البسيطة في قرى الريف الكندي، وقد لفتت أنظار النقاد إلى قدراتها الفنية وإمكانياتها الإبداعية عندما ظهرت قصتها الأولى ‘رقصة الظلال السعيدة ‘ في عام 1950م وهي طالبة جامعية، وهذه القصة كانت عنوان مجموعتها القصصية الأولى ألتي صدرت في العام 1968م، وحازت على أعلى جائزة أدبية في كندا، بعدها حصلت على جوائز محلية ودولية كثيرة منها جائزة ‘مان بوكر’ الدولية في عام 2009م.
هناك أسماء أدبية لامعة في كندا مثل مارغريت أتود وكريستوفر مور وغيرهما، لكن أليس مونرو هي الأحق في نيل جائزة نوبل، يكفي أن النقاد يشبهوها بالقاص الروسي الكبير انطون تشيكوف، لقدرتها على دمج مكونات الحياة الواقعية على ورقة صغيرة تختزل فيها حمولة مجموعة كبيرة من المعاني والأفكار والصور، تدمجها معا وتخلق منها قصة متناغمة.
*الآن ما الذي تريده من الكتابة ؟ وبماذا تحلم ؟
*أريدُ بالكتابة أن أعكس للقارئ العربي تجليات الحياة العصرية، وأعيد له تشكيل المتناقضات والانفعالات المتباينة التي تحفل بها المجتمعات العربية، في شكل منسجم قابل للقراءة، دون إيحاءات وصور ضبابية، حتى يساعده على إدراك ما يجول حوله من تجليات اجتماعية وسياسية وفكرية وادبية متعددة، بكل أطياف الدلالات والحقائق.
أما بالنسبة للحلم، فأنني أحلم بعودة الامة العربية إلى سابق مجدها في مجال الفعل الحضاري، بما يسهم في بناء الإنسان العربي المعاصر وعياً وثقافة وعلماً.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو