بات من الواضح أن العواصف التي جاءت بها التحولات العربية بعد العام 2011، بدأت تأخذ نمطا واضحا من التفاعلات، ما يطرح التساؤل حول مستقبل النظام العربي. ولا يعني ذلك مستقبل التفاعلات المشتركة في إطار جامعة الدول العربية، وما يشبهها من أطر سياسية تقليدية، بل التفاعل داخل الإقليم وجواره، وتبادل المصالح، وإعادة بناء التحالفات.
لأول مرة، سينتقل جانب من ثقل النظام العربي، ولعقد من الزمن على الأقل، إلى عواصم دول غير تلك الكبرى تاريخيا، لتشكل نظاما إقليميا فرعيا داخل النظام الإقليمي الكبير. والمقصود بها دول الخليج العربي. وهو ثقل لا يتطلب توافقا تاما في التفاعلات التعاونية، ولا هوية موحدة للمواقف، بل تلاحظ قوة هذا الثقل السياسي حتى من دون وجود مركز قيادي واحد. هذه الحالة الاستراتيجية النامية منذ سنوات، منحتها تحولات 'الربيع العربي' قوة ودفعة للإشهار، كما اتضح الأمر في الحضور القوي في مشاهد الأزمات السورية واليمنية والليبية، وحتى الأزمة العراقية، والموقف من الحرب على الإرهاب.
ولأول مرة، تدرك النظم العربية الأكثر استقرارا في لحظة فارقة أن أوراق اللعبة جميعها ليست في يد الولايات المتحدة، وأن الأخيرة ليست مستعدة هذه المرة لأن تخوض المعارك بدلا منها. فيما، ولأول مرة أيضا منذ عقود، تُلمس جدية هذه النظم في البحث عن تنويع خياراتها الاستراتيجية الخارجية.
في هذه اللحظات، تبدو المنطقة مهيأة للدخول في تحالفات جديدة؛ بعضها قد يقلب معادلات السنوات الأخيرة رأسا على عقب، في ضوء ما يخرج من تسريبات تتحدث عن صفقات سياسية واستراتيجية تنهي بعض الأزمات والحروب المحتدمة منذ سنوات.
عاش الأردن الرسمي 'أمل' الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي مع بداية 'الربيع العربي'. وهي الرواية التي سرعان ما تبخرت وتحولت إلى برنامج تعاون يمتد إلى خمس سنوات، يستجيب لتبادل المصالح بين الحاجات الاقتصادية للأردن والحاجات الأمنية والجيو-سياسية للمجموعة الخليجية، والبحث عن استعادة زمام المبادرة على خلفية انهيار النظام الإقليمي العربي ومصفوفة التحالفات التقليدية، عقب الضربات التي وجهتها الثورات العربية، إلى جانب مصادر التهديد الإقليمي المتنامية.
وجهات نظر مستقلة ترى أن الأردن مايزال يملك وزنا إقليميا وموقعا وكتلة جيو-استراتيجية لها دور حاسم في المنطقة، وعليه أن يستخدم تلك الموارد بحكمة، وأن ينوع خياراته الاستراتيجية. فالسياسة الخارجية والمواقف الإقليمية حافظتا على نمط التحالفات ذاته منذ البدايات الأولى للحرب الباردة إلى اليوم، من دون تغيير جوهري يذكر، على الرغم من افتقاد خط عمان-بغداد الذي كان ساخنا دوما، وعلى الرغم من التحولات الكبيرة التي شهدتها مكانة القاهرة ودورها في المنطقة.
الأردن يرتبط بدول الخليج العربي بعلاقات خاصة، تمتد لعقود طويلة، سادها استقرار واضح في نمط التفاعلات السياسية وتبادل المصالح الذي خدم الطرفين كل بطريقته. وأمامهما فرصة حقيقية لإعادة تنظيم هذه المصالح بعيدا عن الصيغة الاندماجية في نظام إقليمي. وربما تكون (هذه الفرصة) أكثر فائدة للطرفين.
النظام الإقليمي العربي يتشكل من جديد، ما يتطلب من الدولة ومؤسساتها تطوير خطابها في تقديم وتعريف المصالح الوطنية بوضوح وشفافية للرأي العام الأردني، والكف عن تقديم خطاب العواطف على المصالح؛ فالأيام القادمة حبلى بتحولات واسعة وجذرية وأكثر إثارة، سيكون المحك الحقيقي فيها القدرة على إدارة المصالح على أساس الندية والاحترام والاعتراف، أكثر من أي شيء آخر.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو