يحتدم في هذه الأيام تصادم بالمنطق وبالحجج وبالمفاهيم بين الحاضر ،حاضر الألفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين وما بعد «تسونامي» ثورات الربيع العربي، وبين الماضي المتمثل في المعطيات النظرية السياسية التي تشكَّل على أساسها الإخوان المسلمون ،الذين لحق بهم لاحقاً هذا المد السلفي الكاسح، وكل الحركات والأحزاب اليسارية والقومية التي كان بروزها في ذلك الحين ضرورياً لترسيخ فكرة أن العرب أمة واحدة وللجم الدعوات الإقليمية التي بدأت تظهر بسرعة لملْء الفراغ الذي أحدثه انهيار الدولة العثمانية التي أنهكت المفهوم القومي العربي خلال حكمها الذي تواصل لنحو أربعة قرون متلاحقة.
كان المفترض حتى قبل «تسونامي» الربيع العربي أن يتم التوقف ملياً عند أسباب تراجع المد القومي ،الذي وصل ذروته في خمسينات وستينات القرن الماضي والذي أقام أنظمة استبدادية في عدد من الدول العربية من خلال الانقلابات العسكرية، وكان المفترض أيضاً أن يراجع الإخوان المسلمون مسيرتهم التي كان بدأها حسن البنا في نهايات عشرينات القرن الماضي لاستعادة الخلافة العثمانية إن ليس بجغرافيتها السابقة فبمفاهيمها المناهضة لكل ما بدأ يهب على مصر وعلى المنطقة من رياح التجديد والتنوير والتغيير الغربية.
لكن هذا لم يحصل إطلاقاً بل أن اليساريين سارعوا إلى التمسك بروسيا على أنها تشكل امتداداً للاتحاد السوفياتي (العظيم)!!وعلى أن فلاديمير بوتن ،هذا الدكتاتور الصغير، هو فلاديمير اليتش لينين في حين أن القوميين رغم تراجعهم التنظيمي حتى حدود التلاشي بقوا يدورون في الحلقة القديمة إياها وبقوا يضربون رؤوسهم بجدران التجربة البائسة لأنظمة الانقلابات العسكرية.. والغريب أن هؤلاء رغم أن بعضهم قد ذاق الأمرّين في زنازين هذا النظام السوري بادروا إلى الاصطفاف إلى جانب بشار الأسد في حربه ضد شعبه بحجة انه نظام تقدميٌّ يواجه «هجمة رجعية»!!
وكل هذا بينما الإخوان المسلمون بقوا يخيطون بمسلتهم القديمة وبقوا يتمسكون ،سياسياً، بأهداب الماضي وفوق هذا فإنهم قد دخلوا في مزايدات أصولية من الحركة السلفية الناشنة وذلك مع أنه كان الأحرى بهم أن يدركوا أن الفراغ الذي ترتب على تراجع الحركة اليسارية والقومية يجب أن يملأ بجديد يستجيب لمعطيات هذه المرحلة التي تختلف كثيراً عن معطيات مرحلة القرن العشرين كله والتي تستدعي بالضرورة بروز أحزاب وتشكيلات وطنية بآفاق قومية وبمحتوى وأبعادٍ إسلامية وبمنطلقات واقعية عنوانها الديموقراطية الصحيحة والتعددية الحقيقية والتآخي بين المكونات الاجتماعية على أساس المواطنة الفعلية وعلى أن الدين لله والوطن للجميع.
لقد تأخر هذا كله ولذلك فإننا نجد أن ثورات الربيع العربي قد ترتب عليها وبصورة حتمية كل هذا الصراع المحتدم بين من يدفعون إلى الأمام ومن يشدون إلى الخلف إن في مصر وإن في تونس وإن في ليبيا كما أننا نجد أن «إخوان» سوريا و»إخوان» المغرب قد سارعوا لالتقاط اللحظة التاريخية وتبنوا نهج حزب العدالة والتنمية (الاردوغاني) وقطعوا صلتهم فكراً وتنظيماً بالحنين إلى الخلافة العثمانية البائدة.
نحن الآن في هذه المنطقة العربية ،المحاذية للغرب والمتأثرة به كما كان يتأثر بها في فترات سابقة يوم كان العرب في مقدمة ركب الحضارة الإنسانية، علينا أن ندرك أن هذا الذي بدأ يجري عندنا جديٌّ ولا يمكن الالتفاف عليه لا من قبل الأنظمة ولا من قبل القوى والتنظيمات القديمة المترهلة ولا الجديدة الغائصة في الماضي البعيد حتى أعناقها.. وأنه إن لم نستطع التلاؤم وبسلاسة مع هذا الجديد الكاسح فإن بلداننا ذاهبة لا محالة إلى هزات وعواصف وبراكين مدمرة.. وها هي التجربة السورية ماثلة أمام عيوننا و»السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه».
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو