الجمعة 2024-12-13 00:27 ص

العاصفة والعمامة: تشريح للمشهد الافغاني قبل طالبان وبعدها

12:25 م

الوكيل - عن دار مدارك للنشر صدر كتاب ‘ العاصفة والعمامة ‘ للصحفي محمد الهادي الحناشي في 430 صفحة من القطع المتوسط ، يتناول فيه الكاتب الجوانب الخفية من الصراع القائم في افغانستان خلال العقود الاربعة الاخيرة ، مستعرضا التجارب المراحل المختلفة التي عاشتها البلاد ابان الاحتلال السوفياتي ومرحلة الجهاد الافغاني وصولا الى الظروف التي مهدت لظهور حركة طالبان وسيطرتها على حكم واحدة من افقر بلاد العالم وفق رؤيتها الخاصة للشريعة الاسلامية ،

والكتاب يغوص في المفاصل الدقيقة لنشأة الحركة والظروف التي مهدت لظهورها على الساحة الافغانية وسط مناخ اقليمي متقلب ، ويفتح نافذة على الدور الباكستاني في تقوية عود الحركة لتتمكن في وقت وجيز من السيطرة العسكرية والفقهية على البلاد الممزقة ، كما يستعرض مسلسل المحاولات الامريكية المتتالية للحوار مع قيادات الحركة منذ العام 1994 وصولا الى العام 2001 اسابيع قليلة قبل السقوط المدوي للحركة بعد الحملة العسكرية الامريكية على حركة طالبان والقاعدة
ويتضمن الكتاب بالاضافة الى الجوانب التاريخية وسرد الاحداث التي تعاقبت شهادات حية من خلال زيارات المؤلف المتعاقبة الى مختلف المدن الافغانية في مناسبات متفرقة خلال حكم طالبان واثر سقوطها ،ليكون شاهدا يوثق ويرصد مختلف التحولات التي مرت بالبلاد خلال العقد الاخير تحت حكم طالبان وبدونها ومن هنا جاء العنوان الفرعي للكتاب ‘ جمهورية بلا نصر وإمارة بلا هزيمة ‘ ليقف عند حقيقة فقدان جمهورية افغانستان الجديدة التي وقف المجتمع الدولي باسره لدعمها ماليا وعسكريا لفرصة اعلان النصر على حركة طالبان وقواتها التي بقيت تقاوم عبر عشرات العمليات العسكرية المتفرقة ودون ان تتمكن القوات الدولية المرابطة من كسر شوكتها ، وهو ما يعني ان لا جهة منحت نفسها حق اعلان هزيمة طالبان رغم مرور اكثر من عقد من الزمن على الاطاحة بالحركة من على سدة حكم كابل . وقد وضع مقدمة الكتاب الكاتب والباحث عبد الله بن بجاد العتيبي بالقول ‘ تبدو أفغانستان نائيةً على طرفٍ قصيٍ من الأحداث الكبرى في منطقة الشرق الأوسط بعد ما سمّي بالربيع العربي، ولكنّها كانت دائماً في قلب تلك الأحداث، لا تنأى عنها حيناً إلا لتعود إليها أحياناً، وذلك على أكثر من مستوى أقتصر منها في هذا التقديم على مستويات ثلاثةٍ هي السياسي والأصولي والإعلامي … ‘ غير أنّ قلةً من الإعلاميين الغربيين وأقلّ منهم من العرب من ذهب لأفغانستان طالبان، ومن فعل كان جلّ عمله إجراء حوارٍ صحافي أو مقابلةٍ تلفزيونيةٍ أو تقريرٍ مختصرٍ لحدثٍ معينٍ ثم يعودون أدراجهم، ومن هنا يأتي تميّز هذا الكتاب وكاتبه الصحافي محمد الهادي الحناشي حيث قام برصد تاريخي للأوضاع في أفغانستان مستحضراً كافة الأبعاد السياسية والجغرافية والديموغرافية والمذهبية في محاولة رسم مشهدٍ متكاملٍ لما جرى ويجري في جبال الهندوكوش الوعرة وسهولها الممتدة.
في الواقع كما في التاريخ تبدو غالب المشاهد الساخنة معقدةً ومختلطةً تحتاج جهداً ومشقةً في محاولة فرزها وقراءتها، ولكنّها تلين قيادها لمن حدّد هدفه ومهمّته ومنهجه وحسم خياره كما فعل المؤلف، إنّه صحافي واعٍ بمهمته بل هو باحثٌ في إهاب صحافي، تسعفه ثقافته فينأى عن الاضطراب ويساعده وعيه فيصدّه عن الاستعجال، فقام بعملٍ ‘استقصائيٍ ميداني’ دام لأكثر من عشر سنواتٍ كان فيه ‘يرصد وهو يكتب ويكتب وهو يرصد’ كما هو تعبيره الموفق، رصد التاريخ واستحضر الجغرافيا ولم يكتف بالمعلومات والكتب بل أجرى العديد من الحوارات الخاصة مع الفاعلين في صناعة الحدث -كلٌ في حينه- وبقدر ما كان يقترب بجهده ودأبه من رسم رؤيةٍ كاملةٍ للمشهد كانت تعميماته قليلةً كما يجدر بباحثٍ يسعى للحقيقة ويحترم القارئ ، ويضيف عبد الله بن بجاد في المقدمة ‘ عرض المؤلف لرؤى كثيرةٍ تتعلق بكل ما يتماسّ ويتشابك مع موضوع بحثه كالموقف من أسامة بن لادن وعرض سيرته -على سبيل المثال- بحيث عرضها برؤيته الخاصة ولم يتعرّض مثلاً لتأثير جماعة الإخوان المسلمين في نشأته وصناعة تفكيره، وهو ما عبّر عنه مثلاً المرشد العام الأسبق مصطفى مشهور حين طالب أسامة بالعودة للجماعة في زيارة الأخير لأفغانستان حيث يروي الظواهري أنّه قال لأسامة مذكراً بالعهد القديم مع جماعة الإخوان المسلمين: ‘خرجت من إخوانك وتعود لإخوانك’، ولئن لم يكن هذا ضمن موضوع الكاتب الأصلي فإن رصانته البحثية تغري بطلب المزيد حتى في الاستطراد.
مما يضيف الحاجة لهذا الكتاب في هذا الوقت بالذات هو الصعود المتزايد لنفوذ حركة طالبان والاحتمال الكبير لعودتها لا بشكلها القديم بل بشكلٍ متجددٍ ما لم تتحدد معالمه بعد لخوض دورٍ سياسيٍ فاعلٍ في قيادة دولة أفغانستان، فالدعم الباكستاني وإن اكتوى بنار الحركة إلا أنّه يريد لها البقاء عنصراً مهماً في الصراع الإقليمي خاصةً بعد المحاولات المستمرةٍ من الولايات المتحدة للحوار مع الحركة والذي تمهّد له أحياناً بعملياتٍ عسكريةٍ مكثفةٍ. ومن أهم التطورات الجديدة المتعلقة بهذا الشأن هو افتتاح مكتبٍ جديدٍ للحركة في العاصمة القطرية الدوحة يونيو 2013 بتوافقٍ مع الولايات المتحدة الأمريكية بغرض فتح حوارٍ سياسيٍ لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.
إنّ الكتاب يفتح كثيراً من الأسئلة حول مستقبل حركة طالبان السياسي كما الآيديولوجي، وهل هي قادرةٌ على تطوير نفسها للتعايش مع منطق التاريخ وموازنات القوى في العالم أم أنّ فشلها القديم لن يلبث أن يعاودها بعد كل ما مرّت به؟
ثمّ في حال عودتها للسلطة هل تستطيع أن تعيد عجلة التاريخ إلى الوراء؟ وهل بإمكانها إغفال التغييرات الكبرى التي جرت على الأرض في البشر كما في التنمية؟
إنها أسئلةٌ مفتوحةٌ لمستقبلٍ لم يزل خلف سجف الغيب ولكن هذا الكتاب يمنح قدرةً أكبر على مقاربة المستقبل عبر استقراء الماضي والحاضر.
وقسم الكتاب الى عدة فصول عنونت بعناوين صحفية مثل النسور والطرائد و النسر النبيل وجبال الهندوكاش و افغانستان ..تقاطعات التاريخ والجغرافيا و باكستان وطالبان .الوصل والفصل و طالبان .. الظهور المفاجئ .. قراءة في الجذور و الملا عمر .. الامير الشبح و تصور الملا عمر وطالبان للحكم كما تضمن استعراضا لمختلف المراحل التاريخية التي اوصلت الحركة الى حكم كابل ، وخطوات اسقاطها بما رافقها من عمل استخباراتي وعسكري وسيا سي ، وفي المجمل يقدم الكتاب رؤية شامة عن افغانستان ما قبل طالبان وما بعدها في هذه المرحلة التي كثر فيها الحديث عن فتح قنوات حوار بين القوى الدولية والاقليمية وقيادات الحركة كما يتزامن توقيت صدوره مع حراك كبير تشهده افغانستان على الصعيدين الامني والسياسي قبل اشهر من الانتخابات الافغانية التي ستقام منتصف العام القادم ، والتي يسابق الجميع الزمن من اجل وصولها بوجه جديد ربما يضمن وجود طالبان وفق تسوية ما ضمن المشهد السياسي القادم .
ويعد الكتاب الثاني للمؤلف بعد كتابه الاول ‘ افغانستان سقوط الحاءات الثلاث الصادر عن دار الزمان اللندنية العام 2001 مباشرة اثر بدء العمليات العسكرية في افغانستان والذي احرزت المقالات التي تضمنها جائزة الصحافة العربية في فئتها السياسية وقد تولى الكاتب اثر سقوط حركة طالبان القيام بعديد الزيارات الى افغانستان وواكب مراسلا لقناة العربية عملية الانتقال الديمقراطي بالبلاد بتغطية الانتخابات التشريعية والرئاسية الاولى من نوعها التي تقام في افغانستان بعد سقط الحركة العام 2005 وكذلك انتخابات العام 2009 كما اجرى عديد المقابلات مع السياسيين الافغان من مختلف الاتجاهات والتقى عديد القيادات السياسية في البلاد في مقدمتهم الرئيس الافغاني حامد كرزاي و قيادات حركة طالبان المفرج عنهم من السجون الامريكية امثال الملا عبد السلام ضعيف والملا وكيل احمد متوكل وعديد القيادات الميدانية للحركة في الجبهات ، وبالتالي فإن الكتاب لا يتوقف عند حدود العمل التوثيقي الذي برع فيه المؤلف الى مسالة الشهادة الحية والميدانية ليجعل من الكتاب في مواضع كثيرة قريبا من الحكاية التي تستند الى حقائق واسماء وتواريخ .


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة