الأحد 2024-12-15 10:17 ص

الفزعة الآنية لا تحارب التطرف

08:06 ص

انتهت المداهمات في السلط، واستطاعت الأجهزة الأمنية إنهاء الأمر وكشف خلية نائمة كانت تفكر بتهديد السلم والأمن والأمان والتعايش التي يحظى بها الأردن، والذي استطاع من خلالها أن يعبر الكثير من المطبات الصعبة، وتكسرت أهداف أولئك المأزومين، وتوحد الأردنيون خلف أجهزتهم الأمنية، يتابعون أخبارهم ساعة بساعة ولحظة بلحظة، ويترحمون على من سقط شهيدا منهم، ويبادرون للتبرع بالدم للجرحى، ويتمنون شفاء عاجلا للمصابين.


الآن بعد ساعات قليلة من انتهاء المداهمات والسيطرة الكاملة على المكان، فإنه من واجبنا التوقف لاستخلاص العبر والدروس وفهم الواقع، ولذا فإنني هنا أترك التحليل الأمني لأصحاب الاختصاص، وأذهب باتجاه التحليل الاجتماعي والسياسي والفكري.

بداية علينا أن نعيد التأكيد أن مقاومة الدولة بشكل عام للأفكار المتطرفة والبيئات الحاضنة لها لحظية ووقتية، ترتفع حسب الحالة ومن ثم تختفي وتتلاشى، وهذا أمر يسجل علينا وليس لنا، فالأصل أن يكون لدينا رؤية واضحة متواصلة، وتسلسل زمني للإنجاز، وأن نعيد صياغة كل الأمور التي من شأنها تعزيز حضور الفكر المتطرف الذي يجد له سبيلا في بطون بعض الكتب، وخاصة تلك التي تحض على كره الآخر ونبذه.

إذا فإن محاربة الأفكار المتطرفة والسلفية والمتشددة لا تقوم على مبدأ الفزعة، وإنما علينا تبني رؤية واضحة لشكل الدولة التي نريد، فلا يجوز أن يبقى شكل دولتنا عائما وضبابيا، فتارة نريد دولة مدنية عصرية، وتارة محافظة تقليدية، وتارة نرانا نذهب باتجاه دولة أقرب للدينية، وفي رابعة نرانا نستحضر فكرا عشائريا.

تلك العشوائية والتخبط لا يجوز بقاؤهما هكذا ولا يجوز السكوت عنهما، فبقاؤنا بهذا الشكل الضبابي لن يمكننا من محاربة الفكر السلفي المتحجر الذي يجد له رعاية وحواضن في بعض الخواصر الهشة التي تعاني تارة من فقر وبطالة وتارة من تهميش وفي ثالثة من ضياع فكري، كما أن التردد في الشكل الذي نريد لدولتنا يترك الفكر المتشدد تظهر هنا وهناك وتجد آذانا صاغية لها.

للأسف، فنحن منذ فترة نتخبط في محاربة الإرهاب والتطرف، فمرة نتحدث عن تغيير المناهج وعندما نرى الآراء التي تثار ضد هذا التغيير نتراجع، ويصبح التغيير محدودا ومتواضعا، وتارة نتحدث عن عقد اجتماعي جديد، وعند الهجوم عليه نتوقف عن تداول الكلمة، وتارة نتحدث عن إصلاح سياسي، ولكننا في الوقت نفسه نقدم قانون انتخاب نعرف يقينا أنه لا يمكن له أن ينتج إصلاحا حقيقيا، ولا يؤسس لديمقراطية، وتارة نتحدث عن تعزيز العلم والتفكير، وفي الوقت عينه ترانا نسبح في فلك الغيبيات والعوالم الخفية، وتارة نتحدث عن إعلام جديد، وعندما يحصر نجده يعاني من مخلفات الجهوية والطائفية والإقليمية والعنصرية وكره الآخر، فيصبح اغتيال الشخصية أسهل من رمشة العين، وتصبح إثارة الفتن والإقليمية والعنصرية والجهوية أكثر سهولة من ركل كرة، والأنكى من هذا كله نتحدث عن سبل محاربة الواسطة والمحسوبية ونمارسها في كل محافلنا، ونتحدث عن رفض فكرة المكارم والعطايا والهبات، وفي الوقت نفسه نغضب ونزعل وقد يتظاهر البعض إن شعروا أن بعض المكارم والهبات مهددة بالزوال.

عمليا فإن محاربة الفكر المتشدد تبدأ من خلال تحولات جذرية، وليست ترقيعية، تقوم على تجريم كل من يتحدث بفكر طائفي أو جهوية أو إقليمي أو جندري، أو كره للآخر، وهنا علينا الذهاب باتجاه تعزيز دولة القانون والمؤسسات، ونبذ الواسطة والمحسوبية والذهاب باتجاه بناء الدولة المدنية التي تعني في المقام الأول سيادة القانون وليس سيادة الواسطة أو المحسوبية أو العشائرية، وأن لا نفكر ونحن نشكل حكومة أو نعيد تشكيل مجلس أعيان بمدى حضور أبناء هذه المحافظة أو تلك في التشكل من عدمه، فمثل هكذا تفكير يؤسس لفكر متطرف سينمو لاحقا إما باتجاه رفض الآخر، أو باتجاه تشدد سلفي إرهابي.

نعم نريد بناء أواصر الثقة بين الحكومات ومواطنيها، وهذا لا يمكن أن يتم من دون محاربة الفساد بشكل حقيقي وتعزيز مبدأ الشفافية والذهاب نحو إصلاح حقيقي يكون للأحزاب الكلمة الفصل فيه، وتختفي بموجبه مراكز القوى والصالونات السياسية.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة