السبت 2024-11-30 21:48 م

حسين المجالي: عملية الكرك .. مراجعة وتقييم

07:06 ص

 كتب وزير الداخلية ومدير الامن العام الاسبق حسين هزاع المجالي مقالاً اليوم تحت عنوان : عملية الكرك.. مراجعة وتقييم ، قال فيه : 


عملياتيا، نجحت الدولة الأردنية في وأد مخطط إرهابي كان الإرهابيون يعتزمون تنفيذه انطلاقا من الكرك؛ ومع معرفتنا التامة بقدرة وحرفية أجهزتنا العسكرية والأمنية إلا أن النجاح كان مصحوبا بكلف عالية عندما نتحدث عن عدد الشهداء والمصابين وما قدموه من تضحيات، وهو ما يستدعي إلى إجراء مراجعات جريئة على مستوى تغيير أو تطوير النهج الاستراتيجي في مواجهة الإرهاب.


في الكرك، تم التأكيد على أن المواطن عنصر أساسي بل وشريك في جهود مكافحة الإرهاب، فلولا الحس الأمني لدى مواطن القطرانة الذي بلّغ عن شكوكه عندما اشتم رائحة غريبة تنبعث من شقة، لما افتضح مخطط الإرهابيين.

إن الهبة الشعبية لأبناء الكرك، والتفاف المواطنين حول الأجهزة الأمنية للقضاء على الإرهابيين، هو خير استفتاء على وقوف المواطنين جميعا خلف الدولة في جهودها الرامية للقضاء على الإرهاب والإرهابيين، وهو خير دليل عن أن الإرهاب ليس أصلا في هذه الأرض التي لم تعرف عبر تاريخها إلا المحبة والسلام للجميع.

الإرهاب خطر يهدد جميع الدول، بما فيها أوروبا البعيدة عن بؤر الإرهاب ومعاقله، فمنذ أيام سقط أبرياء في برلين وقبلها فرنسا وبروكسل وغيرها من مدن أوروبية، فإذا كان الحال كذلك في أوروبا، فكيف هو إذن في الأردن التي تقع في عين العاصفة؟.

لذا، فإن الواقعية تحتم علينا القول إن القضاء على العصابة الإرهابية في الكرك وقريفلا وقبلها في إربد، لا يعني أنه تم القضاء على الإرهاب، فالحرب ما تزال مفتوحة ولنا أن نتوقع محاولات أخرى للإرهابين يحاولون فيها تنفيذ ما يخططون إليه.

في بروكسل مثلا، ضرب الإرهاب مطارها وأسقط قرابة 28 قتيلا، على الرغم من أن السلطات هناك كانت قد اتخذت قرارا برفع حالة الإنذار الأمني، مع ذلك نجح الإرهابيون في تنفيذ مخططهم الإرهابي في المطار.

ما زالت الحرب على الإرهاب طويلة، وهي تحتاج إلى جهود استثنائية من جميع الدول للقضاء على معاقله وبؤره، وبعد ذلك يحتاج من كل دولة على حدا لتعمل داخل حدودها لمعالجة الأسباب التي تساهم في تفريخ الإرهابيين.

فالنزوح إلى التشدد والتطرف لدى الشباب يعد من أخطر التحولات التي تحتاج إلى معالجات سريعة للبحث في أسبابها، فلدينا في الأردن، كما لدى غيرنا من دول، الكثير ممن ينقادون إلى الجماعات الإرهابية بفعل تأثير دعايتها الإعلامية عليهم.

السلفيون الجهاديون وغيرهم ممن يعتنقون الفكر المتطرف، هم كثر الآن ومنهم من يعلن ولاءه للتنظيمات الإرهابية خارج البلاد، وهؤلاء ظلوا منذ نشوء عصابة داعش تحديدا الخزان الذي يمول العصابة بالمقاتلين، حتى وصل الأمر للحديث عن آلاف المقاتلين الذين يقاتلون في سورية والعراق.

لذا؛ لنا أن نسأل في حال انتصار الحرب على داعش في الموصل وفي سوريا، وفي حال قرر عدد من الإرهابيون العودة إلى الأردن، كيف سيكون الأمر عندئذ؟.

إذن، الحرب على الإرهاب أصبحت أعقد مما كانت عليه في السابق تحديدا بعد التحولات التي أحدثها الإرهابيون في أساليبهم بالانتقال من الدعم اللوجستي للتنظيمات الإرهابية خارج البلاد إلى مرحلة التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية على الأرض الأردنية، هذا من ناحية.

ومن أخرى، ثمة تحوّل مقلق يتمثل في إصرار الإرهابيين على القتال حتى الموت، دون مبادرة أي منهم إلى الاستسلام، وهذا بدا واضحا في عمليتي إربد والكرك الإرهابيتين.

هذا التحول يحتاج إلى وقفة باتجاه مراجعة ما لدينا من استراتيجيات لمكافحة الإرهاب، باتجاه أن تكون طويلة المدى وأكثر عمقا مما هي عليه الآن بحيث يتم دراسة فيها التحولات التي طرأت على الإرهابيين في انتقال خطرهم من الداعم اللوجستي للتنظيمات الإرهابية الخارجية إلى مرحلة التخطيط والتنفيذ للعمليات الإرهابية على الأرض الأردنية.

ما حدث في الكرك، هو مدعاة لنا ولمؤسساتنا الأمنية إلى إجراء مراجعات عميقة مما جرى للاستفادة من الدرس والبناء عليه لمعالجة الأخطاء إن حدثت، تحديدا ما تعلق منها بمستوى التنسيق والتعامل مع عنصر المفاجأة لحظة وقوع الحدث.

فالمراجعات ليست الأجهزة الأمنية فقط المعنية فيها؛ بل إن ذلك يحتاج من جميع المؤسسات، «أهلية وحكومية»، إلى إجراء مراجعات وتقيم مماثل للوقوف على أهمية دورها في مكافحة الإرهاب وفاعليته، حتى إن كان هناك ضعف أو خلل ما يتم مراجعته وتصحيحه بناء على المعطيات الجديدة التي أظهرتها عملية الكرك.

فالإعلام مثلا، هو شريك أساسي في نجاح أية عملية، لكن ومع حالة الترقب التي يكون عليها الناس ومنعا لانتشار الإشاعة المضرة، كما حدث إبان عملية الكرك، فإن الحاجة باتت ماسة لمراجعة الخطط الإعلامية باتجاه تطويرها للتعامل مع مثل هذه الحالات.

ليس المطلوب من المسؤولين تقديم معلومات تفصيلية تضر بسير العملية الامنية، بيد أن المطلوب إجراء تحديثات إخبارية على فترات متقاربة على مجريات سير العملية، وهذا لا بد أن يكون بالتوازي بين الإعلام الحكومي الرسمي والإعلام الخاص.

إذ لا يعقل أن تظل الوسيلة الإعلامية تردد تصريحات لمسؤول قيلت قبل خمس أو سبع ساعات من بدء العملية الامنية، عندها نكون نحن قد ساهمنا في انتشار الإشاعة المضر بصمتنا الطويل وترك الناس «نهشا» لمواقع التواصل الاجتماعي لتمده بما ليس صادقا عن سير العملية الأمنية.

بالمحصلة، العملية الأمنية في الكرك نجحت بالمعنى العملياتي عندما منعت وقوع كارثة كان يخطط إليها الإرهابيون، وأن الحرب على الإرهاب لم تنته بعد، بل هي طويلة وتحتاج إلى مراجعات على الاستراتيجيات تحديدا ما تعلق بالتحول الذي طرأ على أسلوب الإرهابيين بتفضيل القتال حتى الموت على الاستسلام، وما تعلق منها بضرورة الانتقال مما هو عملياتي إلى مرحلة التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد..


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة