الأحد 2024-12-15 10:37 ص

كيف انطفأ بريق الطفولة؟

07:52 ص

الوكيل - لا أحد منا يعرف ما تحمله له الأيام من مفاجآت بين طياتها، فلكل مرحلة في حياتنا ذكريات قد تكون أحيانا مؤلمة وأحيانا أخرى جميلة، وهذا ما يضفي على الحياة تشويقا جميلا، ويجعل الإنسان يشعر باللذة والاستمتاع لكل ما يمر به من أحداث ومواقف.

والدنيا مليئة بالقصص الغريبة التي تعلق بالذاكرة لشدة غرابتها، وقصتي واحدة من هذه القصص، واليوم أنا أرويها لكم وكلي فخر واقتناع ورضا.
كانت طفولتي طفولة عادية مفعمة بالحيوية والحركة، وقد كنت طفلة عنيدة، وهذا ما ساعد في حدوث قصتي فكل ما كان يحدث معي غريب وغير طبيعي.
منذ صغري كنت معرضة لضربات مختلفة ممن حولي، وكأن الله سبحانه وتعالى كان يريد أن يحذرني ويخبرني بأن كل هذه الحوادث إشارات لكي أحترس وأنتبه، لكنني كنت أرفض الاستماع إلى نصائح والدتي.
يوميا، كنا أنا واخواني ننتظر خروج أولاد الجيران لنلهو ونلعب معهم، ولم أكن أدري أن هذا هو اليوم الذي سأبدأ فيه طريقي نحو الظلام.
في ذلك اليوم، وبينما نحن نلعب، استوقفني غياب أخي الصغير، فأخذت أبحث عنه حتى وجدته. لكن بكاءه الشديد أثار فضولي، فسألته عن سبب بكائه فأخبرني بأن أحد الأولاد أخذ منه الكرة.
حينها أصبت بالغيظ الشديد، وأردت أن أرضي أخي بأي طريقة، فذهبت بسرعة نحو أخي الكبير وأخبرته بما جرى وطلبت منه أن يأخذ الكرة من الولد، فاستجاب لطلبي على الفور، وأخذ يشد الكرة من يده، أما أنا فكنت أنتظر الكرة لأعطيها لأخي لكنني لم أتمكن من ذلك لأن القدر كان أقوى مني.
حدثت مشاجرة كبيرة والأولاد بطبعهم يحبون اللعب بالأشياء الحادة والخطيرة فقد كان أحدهم يحمل بيده قطعة من الخشب لكنها لم تكن قطعة عادية بل لها رأس حاد جدا. كان عددهم خمسة أطفال غيري، إلا أن إرادة الله شاءت أن أكون أنا من يصاب بهذه الخشبة فاخترقت عيني كأنها سهم أصاب هدفه، حينها لم أدرك ما حصل، فحاولت بصمت أن أفتحها فلم أستطع فتملكني خوف شديد لكن كنت في قرارة نفسي أقول أن هذا الأمر بسيط وأن لا شيء قد حدث.
أخذت أتلمس عيني لأتأكد مما حصل فلم أجد عيني بشكلها الطبيعي الذي اعتدت عليه. كررت الأمر مرة أخرى على أمل أن يكون ذلك كله حلم مزعج، لكن لم يتغير شيء.
في هذه اللحظة سمعت الجميع يصرخون بدون وعي، وبدأت أنا أبكي بصوت مرتفع وتساقطت دموعي كحبات المطر، لكن هذه المرة كانت دموعي مختلفة تماما من حيث لونها ورائحتها، فقد كانت مختلطة بالدماء، وما أزال حتى اليوم أذكر تلك الرائحة فهي محفورة في ذاكرتي ولن أستطيع نسيانها أبدا.
ركضت بدون أن أعرف إلى أين وكأني أبحث عن يد تمسكني وتشعرني بالأمان وفي هذه اللحظات أحسست بأن الأرض تتحرك وأنني سأسقط.
وصلت أمي إلى المكان لترى ماذا حصل لي، فمدت يدها التي كانت ترتعش ورفعت رأسي لترى ما أصابني، فلم ترى سوى الدماء غطت وجهي الصغير، فأصبنا جميعا بانهيار شديد ولم أستطع الوقوف، فسقطت في حضن أمي التي كانت تردد كلمات لم أفهم منها سوى أن عيني قد جرحت جرحا عميقا، وأنها لم تعد ظاهرة بسبب نزول بعض محتوياتها. كانت تقول ذلك وهي تبكي وتصرخ. حينها تأكدت أن شيئا كبيرا قد حدث لعيني، أما والدي فكان في عمله وقد تم إخباره من قبل الجيران.
أما أنا فكنت أشعر برغبة شديدة في النوم، لكن صوت والدي أيقظني وهو يقول لي: 'ارفعي رأسك'. فرفعته ببطء، لكنه لم ينطق بكلمة واحدة لكي لا يزيد خوفي فالرجال أقدر على ضبط مشاعرهم من النساء، ثم حملني لأقرب مستشفى، وهناك تم إجراء عملية لي.
بعد عدة أيام خرجت من المستشفى، عندها أحسست بأنني كبرت قبل الأوان، وأن قيود الخوف والحرص ستأسرني، وعرفت أن اللعب أصبح ممنوعا وأن بريق الطفولة لم يعد موجودا.
بدأت أتأقلم مع وضعي الجديد، فأنا ما أزال أستطيع الرؤية بعين واحدة، وهذا ساعدني كثيرا في تقبل الموضوع.
إلا أن الوضع هذا لم يطل كثيرا، فبعد مرور سنة تقريبا على وقوع الحادثة، تتكرر المأساة من جديد، لكن الصدمة كانت أشد لأن الضربة هذه المرة كانت من نصيب عيني الثانية، فكان الموقف أصعب بكثير لأنني الآن أصبحت لا أرى سوى الضوء والألوان.
ولكن والدي لم ييأس من علاجي وأصر على طرق جميع الأبواب من أجل إرجاع النور إلى عيني رغم التكاليف الباهظة.
وبعد معاناة طويلة في البحث عن علاج يسر الله لنا طبيبا نصحنا بالسفر إلى الخارج وإجراء عملية زرع قرنية لي.

ربى الرياحي

فتاة كفيفة أنهت البكالوريوس تخصص لغة عربية بتقدير جيد جدا من الجامعة الأردنية، وكانت قد حصلت على معدل 90 % بالتوجيهي.
انضمت لفريق الصحفيين في 'الغد' في مطلع نيسان (أبريل) وخصص لها زاوية أسبوعية في ملحق 'حياتنا'، تنشر كل يوم اثنين، تطل عبرها على قرائها.
هي تعرف اليوم كيف توجه قوتها الداخلية لتكون وسيلة للإطلال على عالم الكفيفين الذين يعانون صعوبات كثيرة، وتسعى من خلال كتاباتها إلى أن تصنع فرقا في حياتهم، إضافة إلى الكتابة عن النقاط التي تراها مضيئة، والأشخاص الذين أثروا بها.


gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة