انعكست المكانة الاقتصادية المتواضعة للشباب الأردني في تعبيراته الثقافية والسياسية اليومية وفي نمط حياته؛ حيث ازدادت مظاهر التعبيرات الثقافية السلبية في السلوك العام وفي الحياة اليومية مثل ازدهار الانتهازية والوصولية، وازدهار ثقافة المحسوبية والواسطة الاجتماعية، وهي نمط ثقافي صرف يزدهر في بيئة المؤسسات والعلاقات المشوهة، لا يمكن الأخذ بالسلوك العام في احتجاجات حزيران الماضي باعتباره ظاهرة عامة تنسحب على الحياة العامة في البلاد، إننا إذا ركنا الى هذا التفسير السطحي نرتكب خطيئة كبرى بحق الشباب ونمنح السياسات الرسمية والنظام التعليمي ومؤسسات التنشئة وحتى الإعلام الرديء شهادة براءة على طبق من ذهب.
لقد أوجدت الممارسات المشوهة، وتحديدا الانتهازية والمحسوبية والواسطة، تعبيرات ثقافية وسياسية أخرى وسط أغلبية الشباب الذين لا يملكون الأدوات الاجتماعية لممارسة ذلك السلوك، أو الذين لا يقبلونه. هذه التعبيرات انعكست على شكل رفض المجتمع ورفض المؤسسة العامة والنخب الي تمثلها أو التشكيك بالنوايا والسياسات العامة، ولعل هذا الرفض انعكس في مشاعر الغضب والشعور بالنقمة الاجتماعية والذي عكسته بشكل واضح الكثير من التعبيرات الثقافية للحراك الشعبي الأردني الذي قاده الشباب خلال الفترة 2011-2013.
شهد الأردن خلال مرحلة الانتقال السياسي نحو الديمقراطية أزمات التحديث السياسي والثقافي على أشدّها على شكل موجات من التقدم، مثلما حدث خلال الفترة (1989-1993)، والفترة (1999-2001)، وموجات أخرى من التراجع، مثلما حدث ما بين (1993-1998)، ثم العودة الى تقدم الإصلاحات (2011-2013) في المرحلة الأولى شكل تراجع المسار الديمقراطي خسارة واضحة للمكاسب الديمقراطية التي تحققت في السنوات الأولى من انطلاق العملية الديمقراطية والمرحلة الأخيرة أثبتت النتائج أن طول عملية الانتقال السياسي الطويلة تركت آثارا ثقافية واسعة وتحديدا على أجيال الشباب.
لقد أدى ضعف إدارة أزمات التحديث السياسي والاجتماعي وعدم قدرة النظام الرسمي والأنظمة المجتمعية الفرعية من تفريغها من دون المساس بعملية الانتقال السياسي إلى تعثر التحديث السياسي والثقافي، وتوليد أزمات جديدة لها تعبيراتها الثقافية-السياسية التي يمكن أن تفهم في ضوء مفهوم أزمات التحديث؛ أي نمط الثقافة المجتمعية التي تسود في مرحلة الانتقال والتحولات الاجتماعية والتي توصف بالحذر، والشك، والريبة، والترقب، والحساسية المفرطة وسط الشباب تحديدا، إن السؤال المهم اليوم هو كيف يتكيف الشباب الأردني مع هذه البيئة على المستوى الوطني وعلى المستوى الإقليمي العربي، فثمة حدود شفافة بين المجتمعات العربية في الإعلام والثقافة تسمح بتدفق المعلومات والأفكار والمعتقدات وحتى العواطف بسهولة بفعل اللغة المشتركة.
على المستوى العربي، تشير العديد من الدراسات الى أنه رغم كل التحولات، ما تزال السمة العامة أننا أمام مجتمعات شبابية أكثر محافظة وميلاً إلى الماضي والتديّن وأكثر رغبة في الاحتجاج والحركة في الوقت نفسه. هناك أكثر من ثلاثة أرباع الشباب في العالم العربي يعتقدون بأن التراث مهم في حياتهم، إلى جانب وجود دعم قوي وسط الشباب للإسلام السياسي.
وعلى الرغم من بعض الإنجازات الثقافية التي تحققت بفعل التنمية خلال آخر ثلاثة عقود مثل المشاركة المدنية والدعوات إلى المساواة بين الجنسين، إضافة إلى المزيج الفكري والثقافي الذي شكل موجات الثورات والانتفاضات العربية 2011، بقي الشباب العرب محافظا وتقليديا في تكوينه الفكري والثقافي، وقدمت المرحلة الثانية من الربيع العربي الدليل على ذلك؛ فما يزال الشباب العربي، وحسب المؤشرات العالمية، أقل دعماً للمساواة بين الجنسين، وأكثر غموضاً وأقل تأييداً لفصل الدين عن الدولة وأقل تسامحاً وأكثر طاعة للقيم الأبوية التقليدية وأكثر قدرة على الاستقطاب.
كما هو الحال في توفر قدرة على الحركة وفراغ فكري وإيديولوجي في الوقت نفسه، صحيح أن الشباب العربي كانوا المحرك الأساسي للحركات الاحتجاجية التي سبقت 2011 واستمر حضورهم في الاقتتال وفي الحروب، ولكنهم كانوا يفتقدون لفلسفة التغيير، ذهبوا الى التغيير من دون حمولة فكرية ومن دون غطاء إيديولوجي.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو