في بواكير الحياة البرلمانية الاردنية كان الناس يختارون نوابهم على اسس ومعايير تمثلهم وتمثل قيمهم وافكارهم وتطلعاتهم. فتارة يفاضلون بين الاقارب ممن يتساوون في المعرفة والخبرة والانحياز الى الفضيلة، واخرى بين الشخصيات التي تتمتع بحضور سياسي وفكري وخدمي واخلاقي وفي حالات قليلة بين مرشحي الاحزاب التي ظهرت واختفت عبر رحلة البلاد مع التحرر ومكافحة التبعية ونداءات الاصلاح .
بصرف النظر عن المرحلة، وأيا كانت طبيعتها فقد بقي المجتمع وحتى عام 1993 متصالحا مع نفسه يختار من يتوسم فيهم الخير ويحسن فيهم الظن .قبل هذا التاريخ لم يجرؤ اي فرد لا يملك القدرة والكفاءة والسيرة والاخلاق والنزاهة والاستعداد للعمل العام والقدرة على طرح الافكار المعبرة عن الهموم ومتابعتها بصدق ان يطرح نفسه مرشحا للمجالس النيابية فقد كان لدى المواطن من المعرفة والكياسة، والحس بالمسؤولية والتحصين ضد الاستغلال والثقة بالنفس ما يكفي لردع المتسلقين والانتهازيين عن اختطاف حق الناس في التعبير عن ارادتهم واختيار من يتوسمون فيهم الخير.
في تلك الايام كانت الارياف والبادية تنقسم في اعقاب كل انتخابات برلمانية لكن الناس لا يفقدون احترامهم لبعضهم ولا يملكون من الادلة ما يدفعهم للطعن في قدرة النواب الذين افرزتهم الانتخابات او نزاهتهم فجميعهم اهل للموقع حتى وان كان بعضهم لا يجيد القراءة والكتابة.
حتى اليوم لا توجد شواهد على ان ايا من النواب او الوزراء القدامى قد بنى ثروة هائلة او اسس شركات في الداخل او الخارج فقد ظهرت وثائق تشير الى ان الكثير منهم رحلوا وهم مثقلون بالديون. حتى اليوم لا املك شاهدا واحدا على ان نائبا من الجنوب او الشمال ادار شركات ووكالات وهو على راس عمله ولم يكن وحيد العوران مستشارا لدى شركة الفوسفات او وكيلا لمهرب ولا اظن ان جودت المحيسن قبل ان يؤسس شركة للمقاولات او يدافع عمن يعتدي على خطوط المياه ويسرق الكهرباء. نواب الخمسينيات والستينيات كانوا شيوخا وفرسانا يحرصون على القيم ويصونون النظام العام بالتزامهم بالاخلاق التي لا تستقيم حياة المجتمع ولا يكتمل التزامه وتماسكه من دونها .
اليوم وبعد اعلان الهيئة المستقلة عن الموعد الرسمي للانتخابات المقبلة يسيطر الفتور على المزاج الشعبي العام. باستثناء الاشخاص الذين لا يزالون نوابا والالاف من الطامحين بان يحالفهم الحظ للانتقال الى حماية القبة لا يولي غالبية الناس الموعد ولا العملية الاهتمام المعتاد .
ونحن على بعد ثلاثة اشهر من اليوم الذي سيتوجه فيه الناخبون لصناديق الاقتراع لا يوجد لدى الناس تصورا حول طبيعة المجلس المقبل، ولا يستطيعون التنبؤ بما يمكن ان تسفر عنه هذه العملية. المعطيات المتوفرة لا تبشر بتغيير او اختلاف عن الصورة التي كان عليها المجلس خلال السنوات الاربعة الماضية.
وفي ضوء الاوضاع القائمة لا احد يتوقع حدوث معجزة تغير هذا الواقع وتضخ حياة وروحا جديدة في هذه المؤسسة التي من المفترض تعليق الامال عليها. الكثير من الناس علق امالا كبيرة على ان تبادر الدولة لاستثمار النجاحات التي تحققت في التعامل مع الوباء والبناء على الافكار والمبادرات والاوراق النقاشية لإحداث قفزة تاريخية في الاصلاح السياسي الذي يضع الجميع امام مسؤولياتهم.
الابقاء على النظام الانتخابي القائم واستمرار وجود نماذج النواب الذين يجمعون بين التمثيل الشعبي وادارة الاعمال وغياب تاثير المجلس الحالي وتفاعله مع الكثير من القضايا التي اشغلت الراي العام شجع الكثير من الشباب والمتقاعدين والنساء ممن يفتقرون الى سجلات العمل العام الى الاعلان عن رغبتهم في الترشح واتخاذ خطوات مبكرة في التنظيم والتحشيد مستفيدين من تسامح القوانين والرقابة الشعبية والاعلام مع من يشغلون المواقع العامة ايا كانت اخطاؤهم وخطاياهم.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي