رغم ما كان الناس فيه من قسوة البيئة ومشاقِ العيش، إلا أنهم كانوا يحبون! كان الحبُ والكتبُ واللعبُ والصحبُ، الواحة الندية في صهد بادية الشام التي تقف المفرق على حدّ سيفها.اضافة اعلان
كانت المفرق كلها تتداول برِفْق، عشرات قصص الحب العذري البريئة الدرامية، التي انتهت أكثرُها كما هو متوقع، نهايات صادمة حزينة، خلّفت ندوبا في قلوب الشباب والعذارى.
كان الحُب هو حب الرسائل المعطرة والقلوب الحمراء المرسومة على الورق بالدم أحيانا.
كان الشباب يدسّون الرسائل في شقوق الجدران او في أرغفة الخبز او يلقونها من فوق أسوار المنازل او يسقطونها على الأرض، إلى الفتاة التي تتبعهم على بعد كيلومتر او أكثر. على طريقة عمر بن أبي ربيعة:
إِذا جِئت فَاِمنَح طَرفَ عَينَيكَ غَيرَنا،
لكَي يَحسِبوا أَنَّ الهَوى حَيثُ تَنظرُ.
يستخدم العراقيون، رجالا ونساء كلمة جميلة هي «عيني» التي لم يسمعها شباب تلك الأيام من صبايا تلك الأيام. وهي بالمناسبة كلمة قرآنية. قال تعالى: «فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا».
في المفرق، على طريق بغداد- دمشق- عمّان، قرب سلسلة المطاعم الشعبية المتخصصة في خدمة الحافلات والشاحنات والمركبات، العابرة ذهابا وإيابا، توقفت حافلةُ الحجاج العراقيين.
في تلك اللحظة الجميلة، كنت أعبر إلى الجهة المقابلة، حيث ملعب كرة القدم، حين أخرجت سيدة جميلة نصف رأسها من نافذة الحافلة، فتجلّت لي ملاكا، ذات عينين رحبتين أسطوريتين، بحجم القمر في تمامه.
كنت صبيا في الرابعة عشرة، في أول تفتح الرجولة وربيعها وإقبالها واقتحامها.
قالت لي السيدة العراقية الملاك، بغنج امرأة لمست نقطة ضعف محدثها الفتى الأسمر النحيل:
شنو اسمك عيني !!
اختبطتُ. هبلتني السيدةُ. لحست عقلي.
السيدة ذات أجمل عينين خلقهما الله تقول لي عيني! لي أنا تقول عيني.
كانت تلك أول مرة تقولها لي فتاة أو سيدة بهذا الحسن أو بنصفه أو بربعه؟
قلت وأنا ارتعد: اسمي محمد. أنا محمد حسن سليمان الداودية.
قالت وهي تفرط في الدلال والابتسام: عيني أبو جاسم، ممكن موي بارد.
ويلي، للمرة الثانية تنفحني هذه السيدة الفاتنة، التي أحبّها الله، فخلقها في أحسن تقويم، كلمة عيني.
لم أدخل في غيبوبة، دخلت في الدهشة والرفرفة. أجنحة زهو أخذت تنبت لي، أجبتها بفرح متدفق، وأنا لمّا أزل في تمام الانبهار والانتشاء:
طبعا. طبعا. دقيقة «عيني» ويكون الماء البارد بين يديك.
وثبتُ كالنّمر. أحضرت لها أبريقَ ماء مليئا بالثلج، وضعت فيه وريقات نعنع وقطرات ليمون وقطرات من ماء الورد، من مطعم المعلم سالم الشاويش القريب، الذي كنت أعمل فيه في العطل الصيفية.
انتبهت السيدة الفاتنة إلى أنني أكاد أنهار وأنني بدأت أتداعى وأنني أخذت أذوب من فرط إعجابي بعينيها، فمنحتني إياهما طويلا لعلها 10 ثوانٍ، كانت أكثر من كافية، لتظل عيناها السخيتان في خاطري 60 عاما، منذ ذلك اليوم الجميل إلى هذا اليوم الجميل، أنا، ما أزال إلى اليوم احتفظ بطراوة صوتها الناعم الباذخ الرطب السخي، ذي الطبقات المتدرجة الملونة كقوس قزح، القريب من صوت محبوبة جيلنا سعاد حسني.
وما أزال احتفظ بعينيها السوداوين المتوهجتين في منطقة بمحاذاة القلب. وما أزال احتفظ بدهشتي من كثافة شعرها الفاحم المضفور.
وها أنذا، أستحضر بسمتها الكريمة الخفيفة. وذراعها البض المزدان بإسوارة ذهبية ناعمة. وقميصها نصف الكم الخفيف المقلم باللونين الأبيض والأسود. وعباءتها السوداء الشفافة. وحبيبات العرق الذهبية على جبينها الأسمر.
لقد أوشكتُ ان استجمع شقاوتي، لأَثِبَ إلى نافذة الحافلة، فأمسح حبيبات العرق عن جبينها بطرف قميصي النظيف.
عندما أخذت الحافلةُ تتحرك، وسط حسرتي التي قبضت قلبي، سألتها وأنا أعدو خببا بمحاذاة الحافلة: شنو إسمك «عيني»، شنو إسمك؟
أخرجت كامل ذراعها البض من النافذة ولوّحت لي بلا توقف وهي تقول: فاطمة عيني، فاطمة.
يا لكرم هذه الحاجة يا لعذوبتها.
أنا ما أزال اذكر فاطمة بكامل روائها وبهائها وغضاضتها ونداوتها وسطوة عينيها الباذختين، كلما سمعت المطرب العراقي سعدون جابر يغني «يم العيون السود ما جوزن انا، خدك القيمر انا اتريق منه».
ستقودني هذه الذكريات إلى حيت قادني ودلني مصيري، إلى ربوع الأردن الذي طوفت في أرجائه تطواف العابد المتبتل وأنا أردد مع إيليا أبو ماضي:
وطن النجوم أنا هنا،
حدَق أتذكر من أنا.
ألمحت في الماضي البعيد،
فتى غريراً أرعنا.
جذلان يمرح في حقولك، كالنسيم مدندنا.
أنا ذلك الولد الذي،
دنياه كانت هاهنا.
أنا من مياهك قطرة،
فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرة،
ماجت مواكب من منى.
كانت المفرق كلها تتداول برِفْق، عشرات قصص الحب العذري البريئة الدرامية، التي انتهت أكثرُها كما هو متوقع، نهايات صادمة حزينة، خلّفت ندوبا في قلوب الشباب والعذارى.
كان الحُب هو حب الرسائل المعطرة والقلوب الحمراء المرسومة على الورق بالدم أحيانا.
كان الشباب يدسّون الرسائل في شقوق الجدران او في أرغفة الخبز او يلقونها من فوق أسوار المنازل او يسقطونها على الأرض، إلى الفتاة التي تتبعهم على بعد كيلومتر او أكثر. على طريقة عمر بن أبي ربيعة:
إِذا جِئت فَاِمنَح طَرفَ عَينَيكَ غَيرَنا،
لكَي يَحسِبوا أَنَّ الهَوى حَيثُ تَنظرُ.
يستخدم العراقيون، رجالا ونساء كلمة جميلة هي «عيني» التي لم يسمعها شباب تلك الأيام من صبايا تلك الأيام. وهي بالمناسبة كلمة قرآنية. قال تعالى: «فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا».
في المفرق، على طريق بغداد- دمشق- عمّان، قرب سلسلة المطاعم الشعبية المتخصصة في خدمة الحافلات والشاحنات والمركبات، العابرة ذهابا وإيابا، توقفت حافلةُ الحجاج العراقيين.
في تلك اللحظة الجميلة، كنت أعبر إلى الجهة المقابلة، حيث ملعب كرة القدم، حين أخرجت سيدة جميلة نصف رأسها من نافذة الحافلة، فتجلّت لي ملاكا، ذات عينين رحبتين أسطوريتين، بحجم القمر في تمامه.
كنت صبيا في الرابعة عشرة، في أول تفتح الرجولة وربيعها وإقبالها واقتحامها.
قالت لي السيدة العراقية الملاك، بغنج امرأة لمست نقطة ضعف محدثها الفتى الأسمر النحيل:
شنو اسمك عيني !!
اختبطتُ. هبلتني السيدةُ. لحست عقلي.
السيدة ذات أجمل عينين خلقهما الله تقول لي عيني! لي أنا تقول عيني.
كانت تلك أول مرة تقولها لي فتاة أو سيدة بهذا الحسن أو بنصفه أو بربعه؟
قلت وأنا ارتعد: اسمي محمد. أنا محمد حسن سليمان الداودية.
قالت وهي تفرط في الدلال والابتسام: عيني أبو جاسم، ممكن موي بارد.
ويلي، للمرة الثانية تنفحني هذه السيدة الفاتنة، التي أحبّها الله، فخلقها في أحسن تقويم، كلمة عيني.
لم أدخل في غيبوبة، دخلت في الدهشة والرفرفة. أجنحة زهو أخذت تنبت لي، أجبتها بفرح متدفق، وأنا لمّا أزل في تمام الانبهار والانتشاء:
طبعا. طبعا. دقيقة «عيني» ويكون الماء البارد بين يديك.
وثبتُ كالنّمر. أحضرت لها أبريقَ ماء مليئا بالثلج، وضعت فيه وريقات نعنع وقطرات ليمون وقطرات من ماء الورد، من مطعم المعلم سالم الشاويش القريب، الذي كنت أعمل فيه في العطل الصيفية.
انتبهت السيدة الفاتنة إلى أنني أكاد أنهار وأنني بدأت أتداعى وأنني أخذت أذوب من فرط إعجابي بعينيها، فمنحتني إياهما طويلا لعلها 10 ثوانٍ، كانت أكثر من كافية، لتظل عيناها السخيتان في خاطري 60 عاما، منذ ذلك اليوم الجميل إلى هذا اليوم الجميل، أنا، ما أزال إلى اليوم احتفظ بطراوة صوتها الناعم الباذخ الرطب السخي، ذي الطبقات المتدرجة الملونة كقوس قزح، القريب من صوت محبوبة جيلنا سعاد حسني.
وما أزال احتفظ بعينيها السوداوين المتوهجتين في منطقة بمحاذاة القلب. وما أزال احتفظ بدهشتي من كثافة شعرها الفاحم المضفور.
وها أنذا، أستحضر بسمتها الكريمة الخفيفة. وذراعها البض المزدان بإسوارة ذهبية ناعمة. وقميصها نصف الكم الخفيف المقلم باللونين الأبيض والأسود. وعباءتها السوداء الشفافة. وحبيبات العرق الذهبية على جبينها الأسمر.
لقد أوشكتُ ان استجمع شقاوتي، لأَثِبَ إلى نافذة الحافلة، فأمسح حبيبات العرق عن جبينها بطرف قميصي النظيف.
عندما أخذت الحافلةُ تتحرك، وسط حسرتي التي قبضت قلبي، سألتها وأنا أعدو خببا بمحاذاة الحافلة: شنو إسمك «عيني»، شنو إسمك؟
أخرجت كامل ذراعها البض من النافذة ولوّحت لي بلا توقف وهي تقول: فاطمة عيني، فاطمة.
يا لكرم هذه الحاجة يا لعذوبتها.
أنا ما أزال اذكر فاطمة بكامل روائها وبهائها وغضاضتها ونداوتها وسطوة عينيها الباذختين، كلما سمعت المطرب العراقي سعدون جابر يغني «يم العيون السود ما جوزن انا، خدك القيمر انا اتريق منه».
ستقودني هذه الذكريات إلى حيت قادني ودلني مصيري، إلى ربوع الأردن الذي طوفت في أرجائه تطواف العابد المتبتل وأنا أردد مع إيليا أبو ماضي:
وطن النجوم أنا هنا،
حدَق أتذكر من أنا.
ألمحت في الماضي البعيد،
فتى غريراً أرعنا.
جذلان يمرح في حقولك، كالنسيم مدندنا.
أنا ذلك الولد الذي،
دنياه كانت هاهنا.
أنا من مياهك قطرة،
فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرة،
ماجت مواكب من منى.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي