الحقيقة تقول إن دولة الاحتلال تواصل التقدم في ملف تطبيع علاقاتها مع دول عديدة، وتوسع دائرة الاعتراف بها في أعقاب إعلان صربيا وكوسوفو الجمعة التطبيع مع إسرائيل، بل إن الأولى أكدت عزمها نقل سفارتها إلى القدس المحتلة مع نهاية العام 2021، لتحذو حذو الولايات المتحدة وغواتيمالا اللتين نقلتا سفارتيهما بالفعل في أيار من العام 2018.
صربيا ستكون أول دولة أوروبية تقدم على هذه الخطوة، كما أنها تعتزم افتتاح مكتب تجاري في القدس المحتلة، في حين ستساعد كوسوفو، الدولة الإسلامية التي اعتبرها ترامب شرق أوسطية، على فتح الباب على مصراعيه لدول إسلامية أخرى تبحث عن مدخل من أجل التطبيع.
يأتي هذا الأمر بعد حوالي شهر من إعلان مماثل لعلاقات تطبيع إماراتية إسرائيلية. الرئيس الأميركي ترامب قال خلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض أول من أمس في مراسم توقيع اتفاق تطبيع العلاقات الاقتصادية بين صربيا وكوسوفو إن “دولا عربية عدة في طريقها لإبرام اتفاقات التطبيع مع إسرائيل”. وهو أمر صحيح إذا ما نظرنا إلى بعض الدول العربية والإسلامية التي تنظر بعين الطمع لإقامة علاقة مع الكيان الصهيوني، خصوصا السودان الذي يأمل نظامه الجديد في أن تزوده العلاقة مع إسرائيل ببعض الاستقرار والديمومة والقبول الأميركي والعالمي.
شكل المنطقة، إذن، يتغير وبوتيرة سريعة، وهذا طبيعي لأن بوصلة الخطر الأكبر تحولت من إسرائيل نحو إيران. ومع تزايد التأثير التركي، والصراع غير المعلن حتى الآن على حوض البحر الأبيض المتوسط، والانقسام الفلسطيني المستمر منذ سنوات، ارتأت الدول إعادة تمركزها بالمنطقة بطريقة ترى أنها مناسبة وتتماشى مع مصالحها، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى سياسية كانت أو تاريخية أو دينية أو جغرافية.
المستفيد الأكبر من كل هذا التغيير هو الكيان الصهيوني، الذي يسجل اختراقات لم يكن في يوم من الأيام يتطلع إلى تحقيقها، وساعدته في ذلك إدارة ترامب التي لا تحمل في أجنداتها سوى المشروع الإسرائيلي وابقائه مستقرا، مع ضمان تفوقه العسكري.
في ظل هذا التحول بالمشهد السياسي وتغير الأولويات، نتيجة إدارة كل دولة ملفاتها بالطريقة التي ترى أنها تحقق مصالحها، وفي ظل الدرس الكبير الذي تلقاه العالم جراء جائحة كورونا، وتحول الدول إلى جزر منعزلة عن بعضها بعضا، فإن الأردن مطالب اليوم بأن يتعامل مع ما يدور من حوله برؤية مختلفة كليا قوامها، “ماذا لو كان الوضع في المستقبل أكثر قساوة؟”.
الدرس الأكبر المستفاد أردنيا من انتشار فيروس كورونا يتمثل بأنه بات هناك قناعة راسخة لدى الدولة بأن الاقتصاد المحلي يجب أن لا يعتمد بالدرجة الأولى على المساعدات والمنح، بقدر اعتماده على الذات من خلال الاستثمار بالصناعات التي نتميز بها، وتطوير أدوات البحث العلمي، تحديدا في ملفات الصناعات الدوائية والطبية، والزراعة والتكنولوجيا، والسياحة العلاجية. قلنا مرارا إن الزمن هو العامل الأساسي في هذا الاتجاه، نظرا لضيق الوقت وصعوبة الملفات وتشابكها.
أما سياسيا، فإننا اليوم في أمس الحاجة إلى دراسات مركزية واستراتيجية بشأن كيفية إدارة المملكة ملفاتها الخارجية في ضوء التوسع الإسرائيلي والوضع السياسي الراهن، وتحديد الأولويات، مع الحفاظ على العلاقات القوية مع جميع دول العالم التي تثق بالحكمة الأردنية ورجاحة رأي القيادة الهاشمية وفهمها لتركيبة الشرق الأوسط، خصوصا الدول المؤثرة، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي.
عالم اليوم ليس هو ذاته الذي كنا نعيش به قبل عام من الآن، والفهم الأردني لما يدور من حولنا أجزم أنه في قمة مستواه، لكن هذا وحده غير كاف إذا ما أردنا دولة ذات تأثير وحضور على مختلف الأصعدة.
لا يجوز أن نكون الثابت الوحيد في عالم متغير ومتحول، فأطفالنا ينتظرون منا أن نهيئ لهم المستقبل، وأن نسهم ببناء دولة راسخة ومؤثرة في ملفات المنطقة جميعها.
-
أخبار متعلقة
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (2-2) عبدالجبار أبو غربية نموذجاً ومُلهِماً !!
-
النمو الاقتصادي السعودي وفي الخليج العربي
-
اتهامات للأميريكيين في عمان
-
نحنحة
-
أسرى لكن برغبتهم ..!!.
-
لا يمكن هزيمة الكاتب (1 - 2) هشام عودة نموذجاً وملهِماً !!
-
إلى متى ستحتمل الضفة الغربية؟
-
اليوم عيدُ ميلادي