ما من لعنة مثل لعنة اللجوء من بلد الى بلد، والذي يقرأ التقارير عما يواجهه اللاجئون في دول كثيرة يدرك ان اللجوء قد يبدو حلا مؤقتا، لكنه على المدى الطويل يصبح لعنة اكبر.
الاشقاء السوريون الذين غادروا سورية بسبب الحرب، يواجهون ظرفا معقدا اليوم في تركيا ولبنان، مثلا، من موجات الكراهية الى المضايقات، مرورا بالكلام الطائفي احيانا، وغير ذلك والتشدد في الاجراءات ضدهم، وشطب اقاماتهم لأي سبب كان، والتهديد بإعادتهم.
بريطانيا العظمى تريد البدء بترحيل اللاجئين الى رواندا في افريقيا، والمانيا تتشدد بحق اللاجئين الذين يعاني الكثير منهم من ظروف صعبة، بسبب تغير الثقافات، والكل يعرف ربما ان العائلات السورية في المانيا تتعرض الى تغيرات خطيرة على مستوى الاستقرار، والطلاق، وبنية العائلة، بعد ان خرجت العائلات من بيئة الى بيئة مختلفة بكل شروطها والكيفية التي تعيشها.
الذين دخلوا على خط الازمة السورية واشعلوها، يتفرجون اليوم على ما حل بالشعب السوري، وملايين السوريين الذين هاجروا ضحايا لهذه الحرب بسبب اخطاء النظام، وخطايا المعارضة معا، وهي ثنائية ادت الى هذه الحالة، التي لا حل لها الا بوقف الحرب في سورية، واقناع السوريين بالعودة، في بيئة جديدة تصون كرامتهم، وهو امر مستبعد في ظل التطورات الراهنة.
اعلى نسبة لاجئين في العالم هي بين العرب والمسلمين، وجميعهم يفرون من ديار غنية، ومن منطقة ممتدة منوعة الموارد، تورطت بالصراعات والحروب والفساد، وبعضنا يلعن الغرب ليل نهار، لكن للمفارقة لم يجدوا سوى الغرب للجوء اليه، مادام القربى قد اغلقوا ابوابهم.
حين تقرأ التقارير الاخيرة عن اوضاع السوريين في تركيا مثلا، تكتشف انهم يعيشون ظرفا صعبا جدا، بسبب التضخم والغلاء وموجات الكراهية على يد اليمين التركي الذي يضايقهم ليل نهار، ويؤذيهم، في سلوك شاذ لا يتبناه اغلب الاتراك، لكن البيئة بحد ذاتها تصبح ضاغطة.
ستصبح هذه البيئة ضاغطة اكثر على كل لاجئ في العالم، وليس الاشقاء السوريين، في ظل تدهور اقتصادات العالم، والغلاء، والمنافسة على الفرص القليلة للعمل، وبحيث يصب اهالي تلك البلاد غضبهم عليهم باعتبارهم سببا اضافيا في الغلاء واستهلاك القمح ورفع الايجارات.
انا أتحدى ان يسأل بعضنا اي لاجئ عربي في العالم عن مشاعره في الدولة التي يعيش فيها، حتى لو كانت حياته بأحسن حال، الا وحدثك عن شعوره بالمرارة، وحساسيته المفرطة للخروج من بلاده، فما بالنا حين يتعرض بعضهم كما في قصة السوريين في تركيا ولبنان، الى موجات كراهية ومضايقات، وفي الوقت ذاته لا بوابات مفتوحة لهم للعودة الى ديارهم في ظل هذه الظروف التي تزداد حدة ودموية وخطورة ايضا، وهي ظروف تتعقد اكثر واكثر، بشكل يدركه الجميع.
ان استسهال المرء لفكرة سقوط دولته، او بلاده، يكشف عن هشاشة في العقل العربي، لأن سقوط الدولة على ما فيها من مظالم، يعبر عن نزعة انتحارية، وقد يختطف اي شعب نحو الهاوية، وبحيث يندم على الخراب الاصغر، مقارنة بالخراب الاكبر الذي حل بهذا البلد لاحقا.
لا يعني الكلام هنا، منح شرعية للظلمة، لكن وسائل التغيير الداخلية يجب ان تخضع لأسس جديدة، لا تسمح للاجنبي بالتدخل، ولا ترسل البلاد الى جهنم الحمراء، بحيث يتشرد اهلها في هذه الدنيا، وقد صرنا جميعا امام خيار اصلاح البنية الخربة قدر الامكان، واما استسهال اسقاط الدولة والبلد، وحرق كل شيء بذرائع مختلفة، بحيث نصبح بلا اوطان كما هي حالة بعض العرب.
بعض التجارب التي رأيناها في السنين الاخيرة تدهورت في الخلاصات بسبب ما سردته سابقا، اي اخطاء النظام الفادحة في ادارة المشهد، وخطايا المعارضة التي لم تحسب حساب الكلف في كل مواقفها، وهي دعوة اليوم للطرفين للتراجع عن ذات اساليبهم، حتى لا نصحو على عالم عربي مهجر بالكامل، بسبب الفوضى والفتن والحروب ومظالم الشعوب التي وصلت حدا لا يطاق.