الإثنين، 26-09-2022
03:58 م
يقول كارل أوف مون – الأستاذ في جامعة أوسلو في النرويج: إن اعتقاد الناس خارج البلدان الإسكندنافية عن عدالة توزيع ضرائب الدخل بين المواطنين فيها غير صحيح، فاسكندنافيا لا تأخذ الفلوس من الأغنياء وتوزعها على الفقراء كما يتصورون. نعم: إن الفروق بين المواطنين الإسكندنافيين في الدخل قبل اقتطاع الضريبة منهم أقل منها في بقية البلدان، ولكن السبب في هذه القلة يعود إلى الفرق في التكنولوجيا التي يستخدمها الأقل دخلاً والتكنولوجيا التي يستخدمها الأعلى دخلاً. إنها في إسكندنافيا تبلغ 110 % بين الأعلى والأدنى، بينما تبلغ 360 % في أميركا و 2260 % في الهند. توفر إسكندنافيا للمواطنين بنية تحتية وتعليماً وصحة جيدة، تمكن أعداداً كبيرة من المواطنين من اكتساب المهارات اللازمة واستخدامها في العمل والإنتاج لرفع أجورهم / دخولهم.
ويضيف: إن الاقتصاديين المتشددين الذين يركزون على خفض كلفة الرفاه الاجتماعي مخطئون، أما في إسكندنافيا فالكلفة تنخفض تلقائياً بالإنتاجية الأعلى والنمو الاقتصادي السريع. إن اقتصاداً رأسمالياً مضبوطا جيداً لا يقلل من فروق المساواة فقط، وإنما يعمد إلى تقليلها. هذا بالإضافة إلى تبني البلدان الإسكندنافية للتجديد والابتكار ومتابعة التغيرات في السوق العالمية (D+C:11-12.2018).
***
لعل أحد أسباب الفرق الكبير بين سلوك الناس الاجتماعي في البلدان المتقدمة أو الغنية، وسلوكهم في البلدان المتخلفة أو الفقيرة، يعود إلى الفرق بين الوفرة في الأولى والندرة في الثانية.
ومن علامات ذلك – مثلاً – صبرهم بهدوء في الأولى في أثناء الاصطفاف للحصول على سلعة أو خدمة، دون وقوع إشكالات أو مشكلات أو تجاوزات لمعرفتهم المسبقة أن السلعة أو الخدمة متوافرة، وأنها لن تنضب قبل وصول الدور إليهم أو انتهاء الدوام.
أما في البلدان الثانية فيتدافعون ويتشاجرون ويتصايحون… لمعرفتهم المسبقة أن السلعة أو الخدمة قد تنضب قبل وصول الدور إليهم.
لقد نشأ علم الاقتصاد في الأصل من الندرة، وإلا لو كانت تلبية الرغبات والحاجات متوافرة – مجاناً – في جميع الأوقات لما نشأت الحاجة إليه، فأشعة الشمس مثلاً لم تكن في يوم من الأيام سلعة لكنها أصبحت اليوم سلعة وهكذا.
***
كانت الدول الأوروبية الناهضة تظن أنها تبقى بالاستعمار والعبودية القائمتين على القوة الغاشمة، لكن الأمر تغير بعد ذلك، فقد سقط الاستعمار وتحرر العبيد. ولكن إسرائيل لم تتعلم من التجربة الأوروبية، بل ظلت تعتمد على الاستعمار والقوة الفاشية في محاربة الفلسطينيين، رافضة كل محاولات التسوية العادلة، ولكن القوة الغاشمة لا تدوم، وستنفذ قوة إسرائيل بالقمع اليومي العنيف للشعب الفلسطيني. وإلا رأينا الإمبراطوريات العظمى قائمة إلى اليوم.
***
تجربة الفلبين الاستعمارية فريدة في التاريخ الحديث، فقد تم استعمارها أربع مرات في حقبة واحدة، فقد استعمرتها إسبانيا عندما احتلت جزر الأرخبيل لمدة 335 سنة وكثلكتها (جعلتها كاثوليكية) وذلك بدءاً من سنة 1565، بقوات محدودة مجلوبة من المكسيك (إسبانيا الجديدة) باستثناء جزيرة منيداناو حيث كان الحكم الإسلامي فيها قوياً. ثم حلّت بريطانيا محلها مؤقتاً وحكمت الجزر عدة سنوات، ثم احتلتها أميركا سنة 1899 – 1946 على إثر أول ثورة في آسيا (ضد الإسبان) بحجة مساعدة الثوار ثم فتكت بهم إلى أن احتلها اليابان في أثناء الحرب العالمية الثانية.
وتسمى الحقبة الأميركية بحقبة الخمسين سنة في هوليود، وهكذا صارت الفلبين كاثوليكية بالاستعمار الإسباني، وأميركية بالأسلوب والشخصية واللغة الإنجليزية (الرسمية) الأميركية. ومن المفارقات أن المستعمرين الإسبان كانوا يمنعون أهل الجزر من تسمية أنفسهم بالفلبينيين أي نسبة أنفسهم إلى الملك الإسباني فيليب الثاني، فظل الاسم محصوراً في الإسبان الذين ولدوا في الجزر. كانوا يسمونهم بالإنديز (Indies) أي الهنود.
إذا استثنينا روسيا من قارة آسيا فإنه لا توجد فيها سوى دولة مسيحية واحدة وهي الفلبين.