لن ترد إيران على اغتيال، رئيس مركز الأبحاث والتكنولوجيا في وزارة الدفاع الإيرانية، محسن فخري زادة، الذي يوصف بكونه العقل النووي الإيراني، وذلك لأسباب كثيرة.
عملية الاغتيال تفتح في الأساس كل ملفات الاغتيال الشبيهة، من قاسم سليماني، وصولا إلى علماء في المجال النووي، من دول عربية وإسلامية، من العراق وغيرها، فوق قصف المفاعل النووي العراقي، وتنفيذ عمليات في كل الدول العربية والإسلامية، وتهجير عقول عربية وإسلامية إلى دول غربية، فالحرب هنا، طويلة المدى، ولا تقتصر على طرف واحد.
اللافت للانتباه هنا قدرة جهات غربية إضافة إلى الموساد الإسرائيلي على تجنيد أناس من أبناء المنطقة لتنفيذ هذه العمليات، ورصد الأهداف، ولو عدنا إلى تاريخ كل العمليات الفردية، لوجدنا عملاء لهذه الجهات، وهذا يكشف أن القدرة على التجنيد والاختراق عالية، مقابل المال، أو بسبب الأحقاد أو توظيف الغضب، أو أي سبب آخر، وهذا يقود بالنتيجة إلى التساؤلات حول حجم الشبكات الأخرى، غير المعروفة في بقية الدول العربية والإسلامية.
إيران هنا لن ترد على عملية الاغتيال لاعتبارات موضوعية، أولها أن الاغتيال تم تنفيذه على الأرض الإيرانية، وعلى السلطات الإيرانية أن تقبض على العملاء الإيرانيين الذين بثت صورهم، كما أن التوقيت يعد فاصلا، من حيث انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأميركية إلى رئيس جديد، يراد الوصول معه إلى تسوية جديدة، بدلا من الاتفاق النووي الإيراني الذي انسحب منه الرئيس المنتهية ولايته، وهذا يعني أن طهران ستحسب مطولا ردود فعلها، وكلفتها في هذه الفترة الانتقالية، حتى لا يتم استدراجها إلى رد فعل أوسع، قد يقود إلى نسف أي محاولات لتحسين العلاقات مع الأميركيين في هذا التوقيت بالذات.
هذا التوقيت بالذات يتردد معه الكلام عن عمليات قصف قد تنفذها الإدارة الأميركية ضد أهداف إيرانية، قبيل مغادرة الرئيس الحالي، إلا أن هذا الأمر مستبعد، فالرئيس المنتهية ولايته لن يفتح بابا للحرب قبل أسابيع من مغادرته، وسيكون البديل لديه، ذات البديل المعروف، أي تنفيذ عمليات مجهولة الأب، من حرق المصانع والمنشآت، إلى اغتيال أهداف محددة، والكل يعرف أن إيران تعرضت لعشرات الحوادث الغامضة خلال الشهور القليلة الماضية.
إلا أن القصة، لا تقف عند هذه الحدود، إذ بعد اغتيال قاسم سليماني تم قصف قواعد أميركية، في العراق، وهذا يعني أن احتمال الانتقام عبر عمليات ضد مؤسسات أميركية يبقى واردا، لكن ليس بالدرجة التي رأيناها في قصة سليماني، خصوصا، أن الإيرانيين وهم يعرفون المهددات لحياة محسن فخري زادة، لم يتركوا علومه ملكه وحده، إذ بالتـأكيد هناك فريق من الإيرانيين قادر على مواصلة ذات المهمة، ولديهم ذات المعارف، والخبرات التي تراكمت، وهذا يعني أن اغتيال زادة، لن يوقف المشاريع الإيرانية، خصوصا، أن طهران تدرك دوما أن هناك خطرا على كل من يعمل في هذه المشاريع، وبالتالي فإن نقل الخبرة وتطويرها سيؤدي إلى إنتاج العشرات من محسن فخري زادة، تحوطا من هذه اللحظة في إيران.
تبقى الخاصرة الأميركية في المنطقة أي إسرائيل، متخوفة من أعمال انتقام إيرانية، خصوصا، إذا ثبت التفسير الإيراني بكون الموساد الإسرائيلي، هو المسؤول عن العملية، وهنا ننبه إلى حقيقة مهمة مفادها أن إسرائيل تقصف دائما مؤسسات عسكرية إيرانية في سورية، وربما في العراق ولبنان، وقصفت معسكرات كان فيها خبراء وعسكريون من إيران في هذه الدول، وهذا يعني أن إسرائيل في الأساس تنفذ عمليات دائمة ضد إيران في سورية، تحديدا، وربما مناطق أخرى، ولم تحدث ردود فعل إيرانية، تتناسب مع التهديدات التي صدرت من طهران.
كل هذا يقود إلى عدة خلاصات، أولها أن إيران لن ترد ردا مدويا، فهي ليست الحادثة الأولى، وقد ترد ردا محسوب المساحة ومحدودا جدا، وثانيها أن التوقيت لا يساعد على الرد المدوي، وثالثها أن خسارة إيران للرجل لا تعني توقف مشاريع إيران، فالمؤكد أن له بدلاء بذات قدرته، ورابعها، أن لا أحد يريد حاليا حدوث مواجهات أوسع قد تؤدي إلى حرب كبرى، لا يريدها الإيرانيون ولا الأميركيون، ولا الإسرائيليون أيضا.