تذكرت كل أكاذيب واشنطن ضد العراق، ومعها منظمات دولية، كانت تضغط من أجل تفتيش منشآت عراقية بحثا عن أسلحة كيماوية أو نووية، فيما النية كانت تتجه نحو احتلال العراق، وتدميره بنيته الداخلية على كافة المستويات، وثبت لاحقا أن حملات التصعيد والأكاذيب كانت توطئة لسيناريو أسوأ بكثير من الاتهامات.
هناك وجه للشبه بين هذه القصة، وقصة الولايات المتحدة والصين، إذ على الرغم من أن الاستخبارات الأميركية استبعدت أن يكون فيروس كورونا منتج في مختبرات صينية، إلا أن الرئيس الأميركي خرج ليجدد تأكيده على أن الفيروس صناعة صينية في المختبرات وأن الصين تعمدت إخفاء الحقائق، وتسببت بنشر الفيروس، فيما خرجت منظمة الصحة العالمية يوم أمس الجمعة وقالت إنها تأمل بتلقي دعوة من بكين للمشاركة في تحقيقاتها بشأن المصدر الحيواني لفيروس كورونا المستجد، وأن المنظمة ستكون متحمسة للعمل مع الشركاء الدوليين وبدعوة من الحكومة الصينية للمشاركة في التحقيق بشأن المصادر الحيوانية للفيروس.
لا نريد المبالغة، إلا أن الدعوات لمحاسبة الصين وتحميلها المسؤولية تتصاعد، حيث رفعت ولايات أميركية دعوات قضائية ضد الصين طلبا لتعويضات مالية، فيما ألمحت دول أخرى إلى مسؤولية الصين عن الفيروس، بمعنى التصنيع في المختبرات، إضافة إلى إخفاء المعلومات مما جعل الفيروس ينتشر في كل مكان.
هذه حملات توطئ لما هو أخطر، حملات توظف الوباء في سياقات عالمية، تقرأ خريطة ما بعد كورونا، وحين تقرأ الأرقام التي يتم الإعلان عنها عن خسارة مئات ملايين الوظائف حتى نهاية العام، وانهيار اقتصاديات دول كبرى، واضطرار الدول لإنفاق آلاف المليارات من أجل امتصاص صدمة الوباء وتأثيره على اقتصاد العالم الذي توقف كليا أو جزئيا، تدرك أن فواتير الوباء لن تذهب أدراج الرياح، فهناك من سيدفعها، في ظل الخشية من انهيار قوى أساسية، ونشوء قوى جديدة في العالم.
هذا يقول إن مرحلة ما بعد كورونا، أسوأ من مرحلة كورونا، وهذا أمر قيل على ألسن كثيرين، خصوصا، مع انخفاض أسعار النفط، وتضرر الصناعات، وتراجع الزراعات، وصولا إلى بقية الآثار، وقد لا يريد كثيرون أن يصدقوا أن الدنيا قد اختلفت كليا، وأن دلائل التغير ستظهر يوما بعد يوم، وبالتدريج، إلا أنهم نهاية المطاف سيدركون أن تقييمهم لهذه الأزمة كان بسيطا أو سطحيا أو متفائلا.
الخبراء والمحللون الأميركيون، يحللون خريطة النفوذ في العالم بطريقة إستراتيجية، وهم أمام خريطة تتشكل بشكل مختلف، ومن المؤكد أن هناك نظريات كثيرة في هذا الصدد، بعضها يتحدث عن عالم جديد متعدد الأقطاب، أو ثنائي القطبية، أو أن العالم ذاته سيكون بحاجة إلى حرب من أجل حسم الملفات العالقة، وهي حرب لا يريدها كثيرون، مثلما إنها قد تبدو بمثابة حل لمنع ترسيم قوى جديدة في العالم، وهذا رأي تتبناه اتجاهات مغامرة في الولايات المتحدة ودول أخرى.
في كل الحالات، سواء كان الفيروس تسرب من مختبرات، أو أنه نشأ بشكل طبيعي، أو أنه تسرب الى دول العالم بشكل متعمد، أو أن الصين أخفت الحقيقة، أو أظهرتها كاملة، فإن المشترك بين كل هذه الاحتمالات، هو أن الضرر قد وقع، وأن العالم يتجه نحو وضع جديد، في ظل مديونيته التي تعادل ثلاثة أضعاف إنتاجه السنوي، ورهن دول العالم للمصارف والمؤسسات النقدية، وهذا وضع يستحيل أن يستمر بهذه الطريقة، وسنجد أنفسنا على الأغلب أمام الهدم وإعادة البناء، لغايات سياسية واقتصادية، ترتبط بخريطة القوى المؤثرة والحاكمة، التقليدية وتلك التي قد تستجد وفقا لنتائج أزمة الوباء في موجته الأولى، عدا عن احتمالات الموجة الثانية.
ضغوط الولايات المتحدة ضد الصين تؤشر بعد قليل على بناء معسكر دولي يدين الصين ويحملها المسؤولية، وقد يطالبها بتعويضات مالية تعجز عنها أغنى الدول، أو قد تأخذنا إلى عقوبات دولية ضد الصين، او سيناريو الحرب في أسوأ الحالات، ولا يمكن أن تكون حملة التصعيد الأميركي دون أهداف مقررة مسبقا.
يبقى السؤال معلقا حول العالم العربي، وموقعه في خريطة التغيرات، والمواجهات التي نراها، وهي خريطة سنكون على الأغلب، من الخاسرين فيها كما هي العادة.