مئات الآلاف غادروا الأردن، فترة العيد، والمطار الذي كاد أن يغلق جراء كثرة الاعداد التي غادر اغلبها إلى تركيا أو مصر أو دول اخرى، شهد حالة غير مسبوقة، حين يغادر كل هؤلاء، في فترة واحدة، تاركين عمان وأخواتها في العطلة.
هذا ليس غريبا ابدا، وعلى ما يبدو لم يبق ميسور، أو ثري، أو شخص من الطبقة الوسطى، إلا وغادر الأردن في فترة العيد، وكأن الذين بقوا هنا، اما دخلهم قليل جدا، واما لم يقرروا السفر لسبب او آخر، لكن هذا العيد بالمجمل، كان الأغرب، إذ كان باهتا، وهادئا، وكأن الطير على رؤوس الناس الذين لم يغادروا البلد خلال هذه الفترة.
الذي يحسب كلفة العيد على عائلته، من كلفة الملابس والعيديات والحلوى وربما الأضحية وغير ذلك، يكتشف ان المبلغ المدفوع هنا، قد يمكنه من السفر إلى تركيا أو مصر، أو دول أخرى، وعلى هذا يقرر السفر، فلماذا يبقى هنا، وينفق كل هذه النفقات، فيما من الممكن ان يستمتع بالعيد بطريقة مختلفة، وفي مكان آخر، أكثر جاذبية ومتعة؟!
الوطنيات هنا، لا يتم استحضارها، فلماذا يذهب الأردني مثلا إلى العقبة، وكلفة السياحة فيها مرتفعة جدا، وربما ارتفاع الكلفة يعود إلى أسباب كثيرة، من بينها الغلاء العام في البلد، وكلفة الكهرباء، وكلفة الغرفة الفندقية، والوقود والمواصلات وغير ذلك، إضافة إلى ان البيئة في العقبة صعبة وخشنة، والجو حار، ولا عناصر جذب سوى البحر، الذي بإمكان الإنسان ان يراه في أي بلد آخر، هذا فوق ان السياحة المفتوحة في العقبة، على الشاطئ العام، تعاني من إشكالات كبيرة، تسببت في النهاية إلى تحويل المدينة إلى مدينة خارج البث، ليست على قيد الحياة في السياحة الداخلية والأمر ينطبق على مناطق أخرى، كلها تعاني من ارتفاع الأسعار، والشعور بالعادية، أي ان لا جديد فيها، يغريك ان تمضي العيد فيها.
ملف السياحة الداخلية، ملف حساس، والواضح أن لا سياحة داخلية بالمعنى المتعارف عليه، إذ فوق الغلاء الشديد، تعاني كل الأماكن من كونها عادية ولم يتم تعزيزها بمغريات جديدة، وبحيث باتت محروقة وغير مغرية أساسا للسياحة. الجانب الأهم يتعلق هنا بالصورة الاجتماعية الاقتصادية، أي اننا أمام طبقية واضحة، وكأن الأردن خلال العيد كان للفقراء فقط، أو من تثقلهم الالتزامات المالية، فلم يبق مسؤول الا وسافر، ولم يبق مقتدر أو شبه مقتدر إلا وغادر، وبهذا المعنى تم فرز البلد طبقيا خلال فترة العيد، والذي كان يراقب أطنان الحديد التي تتحرك كل مساء في عمان ومدن أخرى ، من مساءات الإجازات، كان يرى بأم عينيه أطنان الحديد الكوري المصنعة على شكل سيارات رخيصة، تتحرك في هذه المدن، وتغرق في الأزمات، والوقود على الأغلب تموله الزوجة من عيديات الاشقاء، وكل هؤلاء لا يفعلون شيئا، سوى التجول بالسيارات، ودعم الخزينة بالضرائب، ثم العودة إلى بيوتهم، بعد ساعة أو ساعتين، توفيرا للنفقات، في ظل ظروف صعبة.
حين يأتي العيد، مع اقتراب المدارس والكليات والجامعات، وحين يعاني الناس اقتصاديا، يكون طبيعيا ان يأتي العيد باهتا بلا روح، وتسمع من كثيرين أن عيد الأضحى هذا العام، كان بلا بهجة أو مسرة، والسبب بسيط، إذ أن هموم الناس تتزايد، هذا فوق أن أغلب الذين كان لديهم قدرة مالية، أو حتى القدرة على الاستدانة للسفر، فروا من الأردن خلال العيد، وتركوه لمن تدنت دخولهم، وتراكمت همومهم، ولا خيار لهم الا البقاء في البلد خلال الاجازة.
مشهد العيد، واجازته، وسفر مئات الآلاف، بمن فيهم المسؤولون، وترك الأردن، للفقراء والمهمومين، خلال العيد، مشهد جدير بالقراءة سياسيا، حين يكون الأضحى هذا العام، أكثر توقيتا يتم فيه، اشهار الفرز الطبقي، وخضوع كل طبقة لقواعدها الخاصة بها، بما يؤشر على ان التحولات في شخصية المجتمع باتت واضحة جدا.