خلافا لرغبة واشنطن وتل أبيب صوتت الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح تمديد ولاية وكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين “الأونروا” ثلاث سنوات قادمة.
حكومة نتنياهو ومن أمامها إدارة الرئيس ترامب وقفتا معزولتين في مواجهة إجماع عالمي يدعم حق اللاجئين الفلسطينيين بالمساعدة والعناية الإنسانية لحين إقرار العدالة الدولية بالعودة والتعويض.
بذلت الدول العربية وفي مقدمتها الأردن جهودا كبيرة لحشد التأييد الدولي لقرار التمديد،وسط محاولات محمومة من اليمين الصهيوني وداعميه في الغرب لخفض التأييد لقرار التمديد قدر المستطاع في إطار مخطط خبيث لنزع الشرعية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين.
كان العمل على وأد “الأونروا” قد بدأ بشكل ممنهج مع وصول فريق ترامب الصهيوني للسلطة في أميركا. وبالتزامن مع وقف واشنطن لمساهمتها المالية بموازنة الوكالة، اجتهد بعض أركانها في الترويج لتعريف جديد للاجئ ينزع هذه الصفة عن الملايين من أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين، وحصرها بمن هاجروا إبان النكبة الفلسطينية، تمهيدا لتصفية حق العودة والتعويض الذي نصت عليه قرارات الشرعية الدولية.
كل ذلك كان في إطار خطة أكبر لتصفية الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني حملت اسم “صفقة القرن”، أعلنت إدارة ترامب عن تبنيها، لكنها أجلت طرح الشق السياسي منها مرات عديدة واكتفت بالكشف عن الشق الاقتصادي.
تنبه الأردن مبكرا للمخطط الإسرائيلي الأميركي، وسعى لحشد الدعم للوكالة الدولية لتعويض النقص الفادح بمخصصاتها بعد انسحاب واشنطن. ونظم لهذه الغاية مؤتمرا بدعم من الحلفاء الأوروبيين نجح في تأمين الاحتياجات المالية للسنة الماضية، وواصل العمل على اكثر من صعيد لحين تأمين الحد المقبول من الدعم للسنة التالية.
ما تزال “الأونروا” تعاني من شح الموارد المالية، لكن الجهود الأردنية والفلسطينية حافظت على وجودها واستمرارية عملها في مختلف مناطق الخدمة في الشرق الأوسط.
تصويت الأمم المتحدة الأخير أثبت بأن العالم لم يفقد ضميره، وما يزال متمسكا بحق الرعاية للاجئين الفلسطينيين رغم الضغوط الأميركية على الكثير من الدول للتخلي عن دعمها للأونروا.
صحيح أن قرار الأمم المتحدة منح دفعة قوية للوكالة الدولية، لكن الخطر على مستقبلها ووجودها ما يزال ماثلا، في ظل معاناة مستمرة من نقص المخصصات، وتراجع قدرة الوكالة عن تلبية المتطلبات الأساسية للاجئين في المخيمات. ففي كل سنة مالية يتعين على الدول المعنية وبالأخص الأردن والسلطة الفلسطينية تنظيم حملات دبلوماسية واسعة لجمع الأموال اللازمة لميزانية الوكالة، وتأمين الخدمات الأساسية.
ينبغي على العالم العربي ان يدرك خطورة تصفية “الأونروا” فالبعض منهم يتصرف بعدم اكتراث حيالها، وينظر إلى الموضوع بوصفه شأنا خاصا بالدول المستضيفة للاجئين. المسألة أبعد من ذلك لأنها تتصل بجوهر القضية الفلسطينية، بوصفها قضية شعب شرد عن أرضه في المقام الأول قبل أن تكون مجرد قضية إنسانية.
بهذا المعنى؛ الحفاظ على وكالة “الأونروا” تعبير عن التزام قومي بالقضية الفلسطينية وحق اللاجئين جيلا بعد جيل بالعودة إلى ديارهم التي شردوا منها، طال الزمن أم قصر.