لم يأخذ الإصلاح السياسي مسارا رسميا معمقا وواضح المعالم حتى هذه اللحظة، حيث يقتصر منذ اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي الأعيان والنواب بداية شهر شباط الماضي، على حوارات تجرى بصورة عامة غير تفصيلية، تستهدف الاستماع إلى وجهات النظر المختلفة.
الأكثر ديناميكية في التحرك هو رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، الذي ينشط في ساحة واسعة يجري خلالها عقد سلسلة كبيرة من الحوارات واللقاءات، حتى وإن كان جزء منها لقاءات باجتهاد شخصي كما يتحدث البعض، لكنها على أرض الواقع الأكثر فاعلية حتى الآن. رئيس الحكومة الدكتور بشر الخصاونة هو أيضا كان له تحرك في هذا الاتجاه. لا أختلف مع النائبين ينال فريحات وأسامة العجارمة، في أنه يتوجب أن يكون لمجلس النواب دور رئيسي في عملية الإصلاح، وقد أجرى رئيس مجلس النواب عبدالمنعم العودات تحركا مسبقا في هذا الإطار، لكن هذا لا يعني أن يعلن النائبان مقاطعتهما حوارات الفايز باعتباره معينا وهما منتخبان، إذ لا يمكن تجاوز تأثير الرجل بتاريخه في العمل العام، ولا يمكن اعتبار اللقاءات التي يجريها عبثية ومضيعة للوقت. إن كان ما يقوم به الفايز اجتهاد شخصي، فهو برأيي، اجتهاد في الاتجاه الصحيح ويسجل له، خصوصا أن الوقت ضيق جدا أمامنا لتحقيق الإصلاح السياسي الذي دعا إليه الملك، وكل من يسهم بإيجابية في هذا الاتجاه، لا شك بأنه يقربنا أكثر إلى الهدف المنشود.
لكن دعونا نعترف أن الحديث عن الإصلاح السياسي كما هو حاصل لدينا اليوم، لا يعدو أن يكون هدرا للوقت والطاقة، ويمكن أن يشكل خسارة فرصة مواتية لتحقيقه، فالإصلاح لا يمكن أن يتأتى من مجرد “جلسات” تعارف وإخوانيات، إذ لا بد أن يتم الإعداد له مسبقا انطلاقا من الأولويات، وأن يسبقه تركيز على جوانب إصلاحية أخرى، وعلى رأسها الإصلاح الاجتماعي، وبالتوازي معه الاقتصادي. العنوان الأبرز للإصلاح السياسي هو قانون الانتخاب، ومن بعده يأتي قانون الأحزاب، يليهما قانون الإدارة المحلية. وعند تحليل المشهد السياسي العام في الأردن اليوم فلا يمكن إغفال النظر عن أن لكل طيف من أطياف المجتمع تصورا خاصا به بشأن قانون الانتخاب، بما يحقق مصالحه وأهدافه بعيدا عن الصالح العام، وبعيدا عن ضرورة الوصول إلى توافقات أساسية على القانون تضمن أن تكون مخرجاته مجلس نواب فاعلا وقويا. الإخوان المسلمون، مثلا، يريدون القائمة المفتوحة الوطنية، وهم ضد الصوت الواحد، فيما قمة طموح الأحزاب تكمن في قانون يساعدهم على الحصول على مقعد نيابي واحد، فهم يبحثون عن الحضور فقط، بدلا من التأثير. أما العشائر فهي مع زيادة عدد الدوائر، وبعضها أيضا مع الصوت الواحد، فيما النقابات المهنية ضعيفة ولم يعد لها أي تأثير ملحوظ في الحراك السياسي، والأشد قتامة أن الشباب يقبعون في ذيل سلم الأولويات، ولا توجد خطط واستراتيجيات لإشراكهم بصورة حقيقية في الحياة العامة. الدولة أمام خيارين اليوم، فإما قانون يرضي الجميع ولا يحقق الطموح والغاية الحقيقية من الإصلاح، أو قانون حضاري يعكس جوهر وعمق الديمقراطية، ويلبي احتياجات الدولة التشريعية، فأيهما تختار؟
إن الاختيار بين النموذجين السابقين مناط بأمرين اثنين؛ الأول: علينا أن ندرك أن تأكيد الملك على الإصلاح يعني أن الدولة تتقدم خطوة نحو الأمام، وبالتالي على الجهات المعنية أن تمتلك إرادة سياسية للبدء بالعملية من دون تأخير، من أجل الوصول إلى خط النهاية. أما الثاني، فهو ضرورة أن تقابل الأحزاب والنخب السياسية والنقابات المهنية هذه الخطوة بأخرى لا تقل أهمية، وذلك عبر التفاعل مع الحوار دون أجندات خاصة أو مخفية، لأن الأمر الظاهر حتى الآن يشير إلى أن كل جهة تريد تعديلات على القوانين الثلاثة كي تخدمها كمكونات سياسية لا لكي تخدم الدولة، فالصراع على تفاصيل قانون الانتخاب، والدفاع عن الأهداف الشخصية سيقودنا حتما إلى قانون هدفه إرضاء جميع الأطراف بدلا من قانون يساهم في تحقيق الإصلاح السياسي المطلوب، والنهوض بالوطن.