كل ما حدث قبل الانتخابات، أو خلالها، أو بعدها لم يكن مفاجئا لي، ولا أعتقد أن الدولة الأردنية صُدمت بما حدث.
عزوف الناس عن المشاركة في الانتخابات خاصة في المدن الرئيسة كان متوقعا، ومظاهر الاحتفال والاحتجاج تكرار لسيناريوهات حدثت في انتخابات ماضية، والجديد في الأمر أن انتخابات 2020 في الأردن تجري تحت وقع إرهاب ورعب كورونا، والخوف من تحول الانتخابات وخاصة ما تبعها من تجمعات احتفالية واحتجاجية إلى كارثة صحية في الأيام القادمة.
رغم المعرفة بتفاصيل مشهد الانتخابات فإن الأمر يستحق مراجعة حثيثة لتصويب المسار والأخطاء، فمن غير المقبول والمعقول أن تدير الدولة ظهرها لاستنكاف المواطنين والمواطنات عن الذهاب لصناديق الاقتراع، وجريمة أكبر السكوت عن الفيديوهات التي عرضت على السوشال ميديا وتظهر احتفالات واحتجاجات تأخذ طابعا «مليشياتيا» تستخدم فيه أسلحة رشاشة، وسيارات مموهة ضاربة بعرض الحائط سلطة القانون والدولة.
وبالتفاصيل أدارت الهيئة المستقلة للانتخاب العملية الانتخابية بكفاءة، ولم يسجل فريق راصد سوى 1270 ملاحظة كان من بينها تعطل النظام الإلكتروني في بعض مراكز الاقتراع، وتواجد أكثر من شخص عند معزل الانتخاب، وأعمال عنف وشغب، وعدم ارتداء الكمامات، غير أن أكثر ما حذرت منه استمرار ظاهرة شراء الأصوات، معتبرة «أن المال الفاسد شكل تحديا أثر بشكل سلبي على مجمل العملية الانتخابية ومخرجاتها».
في ظل تعمق مشكلتي الفقر والبطالة تنامى سلوك يؤمن أن شراء الذمم أسهل وأسرع طريق للوصول لقبة البرلمان، سانده ليتعاظم في العقود الماضية تواطؤ وسكوت حكومي ومجتمعي، ورغم إحالة قضايا شراء أصوات إلى المدعين العامين من قبل الهيئة المستقلة للانتخاب، إلا أن تأخر الفصل بها وإصدار أحكام أضعف الجهود للحد منها، وسط اتهامات للحكومة وأجهزتها بغض النظر والسكوت عن عمليات البيع والشراء التي تتم على مرأى منها.
لم ينتخب سوى 29.9 % أي ما يقارب ثلث من يحق لهم الانتخاب، وبتراجع 6 % عن انتخابات 2016، إذ بلغت نسبة المشاركة حينها 36 %، وقد تكون جائحة كورونا سببا مهما في استنكاف الناس عن التصويت، لكن الحقيقة أن الأزمة أعمق من وباء عابر، فثقة المجتمع بدور البرلمان تتلاشى، وتترسخ قناعات لدى مواطنين ومواطنات في المدن الرئيسية – عمان، الزرقاء، إربد- أن مجلس النواب لا يمثلهم، وقانون الانتخاب ليس عادلا ومنصفا ويقصيهم عن المشاركة السياسية الوازنة.
ما تعرفه مراكز صنع القرار في الدولة أنه لولا مشاركة المحافظات التي يمثل البعد العشائري محركا رئيسا في التصويت والانتخاب فإن نسبة المشاركة ستكون متدنية أكثر، وإذا لم تلتفت الدولة إلى ضرورة معالجة غياب وابتعاد الناس عن الانتخاب فإن الأزمة ستتعمق، وشرعية تمثيل مجلس النواب للشعب ستطرح على طاولة الأسئلة.
التشكيك بنتائج الانتخابات أصبح أمرا مألوفا، والاحتجاج والاحتفال لا يخرج عن السياق، وما هو لافت في هذه الانتخابات كان كسر أوامر الدفاع بالحظر الشامل عند انتهاء الانتخابات، وبدا الأمر وكأن مدنا وقرى تعصي أوامر الدولة وتخرج عن قراراتها، ولا تأبه بسلطتها، ولم يتوقف الأمر عند حدود العصيان والتمرد على الحظر، بل بالاستخدام المكثف للأسلحة، والاستعراض أمام كاميرات التصوير التي تبث «لايف» عبر منصات التواصل الاجتماعي.
لما يقارب 48 ساعة عمّ صمت حكومي أمام هذه التظاهرات الخارجة على القانون، وبموازاتها صدمة ورفض شعبي لما يحدث، وإحساس متعاظم بغياب أسس العدالة في تطبيق القانون، فهنا غالبية ملتزمة بالحظر الشامل وتجلس في منازلها لا تبارح عتبات البيوت، وهناك جموع في مدن وأحياء لا تعرف الحظر إلا في نشرات الأخبار، وتعيش خارج قبضة المساءلة والقانون.
بعد تغريدة الملك الغاضبة عن خرق القانون استقال وزير الداخلية حفظا لماء وجه الحكومة، وواقع الحال أن التحرك المتأخر للحكومة وأجهزة الأمن لضبط الوضع، وملاحقة الخارجين عن القانون لن يرمم المشهد، ولن يعيد الاعتبار لسيادة القانون المنتهكة في وضح النهار، ولن يقلص المخاوف من التنمر على سلطة الدولة، ووجود بؤر خارج سيطرة القانون.
ظاهرة الاحتجاجات والاحتفالات المسلحة طغت على قضايا مهمة كرستها الانتخابات وتحتاج دراسة معمقة أهمها تراجع تمثيل النساء والأحزاب في البرلمان، وللحديث بقية.