هناك مفهوم خاطئ تفشى بشكل مقلق لدى أوساط شعبية واسعة مفاده ان المعونة الوطنية هي العنصر الأساس في عمل التنمية الاجتماعية، وهذا المفهوم من شأنه إزاحة الوجه عن قضايا أخرى ربما تكون اكثر أهمية من المعونة الوطنية مثل الاهتمام بدور الرعاية سواء تلك المخصصة للأيتام او كبار السن او حقوق الطفل والمرأة وذوي الإعاقة وغيرها من قضايا تأتي في صلب قضايا التنمية الاجتماعية.
فبحسب الإحصاءات فإن البرامج الرئيسة لصندوق المعونة الوطنية أنفقت نحو 750 مليون دينار خلال الأعوام 2019-2021، وبلغ عدد المستفيدين من برامج المعونة الوطنية حوالي 100 ألف أسرة، وتقدر موازنة برامج الصندوق بـ100 مليون دينار، ووسعت الحكومة منظومة الحماية الاجتماعية من خلال برنامج الدعم النقدي الموحد الذي يستهدف 85 ألف أسرة بموازنة تقدر بـ100 مليون دينار.
ذاك يعني ان هناك توسعا واضحا في عمل صندوق المعونة ما يعني ارتفاع اعداد المستفيدين الذين ينتظرون صرف معونات مالية، ويعني في الطرف المقابل توسع رقعة الفقر، ولذا فإن وزارة التنمية وفق مصادرها بدأت تعرف هذا الامر وتعمل لجهة الحد من بؤر الفقر من خلال آليات مختلفة ووسائل مجتمعية هدفها الوصول لتلك البؤر ومعالجة أسباب الفقر من جذوره.
صحيح ان نسب الفقر مرتفعة، وأن الدولة عليها عدم إشاحة الوجه عن بؤر الفقر الموجودة في أرجاء البلاد، وأن مسؤولية الدولة تجاه مواطنيها يتطلب منها مساعدة فئات مهمشة، بيد أن المساعدة يتوجب أن تأخذ أشكالا مختلفة غير الشكل النقدي، إذ إنه يمكن ان تكون المساعدة النقدية بداية العلاج وليس علاجا مستديما دون إيجاد طرق مساعدة مختلفة من خلال مشاريع صغيرة ترتقي بفئات المجتمع وتضعها امام مسؤولية العمل والإنتاج.
وفق ما نراه اليوم ونسمعه من تصريحات بلسان وزيرة التنمية الاجتماعية فإن الوزارة تنبهت لتلك الرؤية الشمولية، والتقطت الدور المحوري المهم للوزارة ودورها في التعامل مع فئات مجتمعية مهمشة والوصول اليها والتعامل مع قضاياهم المختلفة بما يؤسس لفكر مجتمعي شمولي، ودراسة واقع مجتمعي من الصعب الوصول اليه بشكل طبيعي دون وجود باحثين واستقصائيين يعرفون كيفية الوصول لكل فئات المجتمع.
فالوزارة التي يأتي على عاتقها الارتقاء بالعمل الاجتماعي التنموي، وتحسين نوعية حياة أفراد المجتمع ورسم السياسات الاجتماعية والاطر التشريعية المتكاملة، وتوظيف المعلومات والمعرفة لتوفير الخدمات الاجتماعية المتميزة، وتعزيز الشراكات المحلية والدولية القائمة على بنية مؤسسية متطورة وبناء كوادر بشرية متخصصة ومؤهلة تعزز عملية التنمية المستدامة، بدأت تعرف ان من الأهمية بمكان تغيير نمط التفكير المجتمعي الذي لم يلتفت للدور المجتمعي الشمولي للوزارة وقلص دورها في مدى الاستفادة من المعونة المجتمعية.
المهم انه بات من الواجب ان تعزز فكر ان وزارة التنمية الاجتماعية ليست للمعونة الوطنية فقط وان هناك فئات كثيرة من تعتم بها الوزارة وتسعى لخدمتها والوصول اليها ومعالجة مشاكلها فكلما توسع الوصول لفئات مختلفة فإن ذاك يعني التخفيف من حجم الاحتقان المجتمعي والوصول لمفاصل مهمة كان من المهم الوصول اليها في أوقات ماضية.
المطلوب ان يتوسع مفهوم الرعاية الاجتماعية ليشمل الجميع، وتتدنى نسب الفقر وبالتالي ينخفض حجم الانفاق على المعونة الوطنية، فكلما انخفضت نسبة الفقر من خلال المشاريع الصغيرة وغيرها كلما وجدت حلول لقضايا مجتمعة عالقة، وكلما توسع نطاق الرعاية المجتمعية الجمعية التي لا تختص فقط بالمعونة الوطنية انخفضت نسب المخدرات وتعاطيها وتداولها وانخفضت نسبة الجريمة وغيرها من آفات مجتمعية بدأت تظهر في المجتمع، فكل التحية لأي جهد من شأنه توسيع نطاق مفهوم الرعاية المجتمعية والتنمية وعدم اقتصارها على المعونة فقط.