بعد الانفتاح الديمقراطي 1989 تبلور العمل الحزبي بالجامعات بشكل أوضح وأصبح اكثر علانية، وتزامن ذلك مع صدور وثيقة سياسية تاريخية هي الميثاق الوطني، والذي تميز وحظي بكثير من الاحتفاء الوطني، وشارك في صياغة هذه الوثيقة كافة ألوان الطيف السياسي من يمينه الاسلامي الى يساره الاشتراكي.
الميثاق الوطني، تلك الوثيقة التاريخية الاجتماعية، تنص صراحة على ضرورة ان تكون الجامعات منارات علم، حيث دورها الوطني العلمي في البحث والتدريس، ما يعني ان هذا هو هدفها الاساس، ولا يجوز لأي شيء ان يعطل قدرتها على تحقيق هذا الهدف.
في مطلع التسعينيات، ومع صدور قانون احزاب جديد عام 1992، بدأ العمل الحزبي ينمو بالجامعات، ورأينا محاولات لعديد من الاحزاب لاستقطاب الطلبة.
تلك التجربة للأسف كانت قاصرة، تمحور العمل الحزبي خلالها حول شخص المؤسس وطموحاته، دون اي اعتبار للبرامج والسياسات والتباينات بين الاحزاب.
ضمرت تلك التجربة، لأسباب موضوعية بسبب ضعف الطرح وشخصانيته، ولأن بعض الاحزاب استمرت بتعطيل العملية التعليمية لأسباب سياسية.
انتفضت ادارات الجامعات وأصدرت الأنظمة والتعليمات التي تقونن وتعطل العمل الحزبي او السياسي داخل الجامعات، فذلك أضر بالعملية التعليمية.
استمرت انتخابات المجالس التمثيلية للطلبة، وكانت سياسية في عديد من الأحيان، وأن ليس تحت مسمى احزاب.
كانت الأحزاب تستخدم الحرم الجامعي لإثبات حضورها وقوتها، ولقول كلمتها والتعبير عن مواقفها، حيث انتخابات الجامعة الأردنية، الجامعة الأكبر، ثالث اهم انتخابات بالأردن، بعد النيابية والبلدية.
التوجه الرسمي كان الاستمرار بالنأي بالجامعات عن نوع العمل الحزبي الذي يتعارض واهداف الجامعة التعليمية، وعليه، دخل العمل السياسي بالجامعات مرحلة ضمور رافقها صعود للعنف على أساس الأصل والمنبت للاسف، ما أعطى دعوات ضرورات العمل السياسي بالجامعات مزيدا من المصداقية والمنطق.
في ظل هذه الاجواء، ووسط انفتاح ومنتجات سياسية تاريخية كما اسماها الملك، أتت مخرجات لجنة التحديث السياسي للسماح بالعمل الحزبي بالجامعات، والنظام الذي يعكف الآن على صياغته، لا بد ان يترجم هذا التوجه على شكل بنود قانونية.
اللجنة خاضت نقاشات كثيفة وعميقة حول العمل الحزبي بالجامعات، وسط مؤيد ومعارض، والحسم كان باتجاه السماح به ضمن تسوية وهي من خلال نظام يصدر لينظم العمل الحزبي بالجامعات.
هنا تماما تكمن اهمية النظام، وهو في غاية الحساسية، انه يجب ان يراعي المواءمة بين اهداف الجامعات العلمية البحثية والتدريسية النبيلة، والتي هي اصل وجودها، وبين التوجه الانفتاحي السياسي الذي يعطي الطلبة الحق في العمل الحزبي.
النظام يجب ان ينظم العمل الحزبي ويسمح به، ولكن بما لا يمس مهام الجامعات العلمية وحق الطلبة في التعلم، وما لا نريده، ويدهشني فعلا اشارة البعض لذلك، ان نعيد انتاج تجربة الثمانينيات فذاك سيكون كارثة، ولا يحدث إلا في الدول الاشتراكية والشمولية.
الجامعات كانت دوما مرغوبة للعمل السياسي الحزبي لأنها خزانات لطاقات بشرية شابة هائلة، وهذا أمر مشروع وطبيعي، لكن يجب ألا يكون العمل الحزبي داخل الجامعات بديلا للعمل الحزبي الوطني، فذاك سيقلل من حضور الاحزاب الوطنية خارج الجامعات، ويمس بهمام وواجبات الجامعات التعليمية الاساسية.