تنفي الحكومة نيتها العودة إلى الحظر الشامل، لكن رئيس الوزراء في كلمته أمس يلمح بشكل لا يصعب تأويله إلى أن العودة إلى الحظر الشامل، محتملة، برغم استعماله لمفردة بديلة هي “الإغلاقات” ولم يستعمل كلمتي”الحظر الشامل” بمعناه الذي عشناه.
يقول الرئيس في كلمته “التزامكم هو الذي يحدد كيف سنتعاطى مع كورونا، الالتزام الصادق بإجراءات الوقاية سيمكننا من الاستمرار في أسلوب التكيف والانفتاح، وعدم الالتزام يعني انتكاسة صحية ستقودنا وبكل أسف للعودة للإغلاقات”.
الحالات تتزايد، والواضح ان المؤشرات غير مريحة حتى الآن، وكل الكلام الحكومي يحمل اتهاما مباشرا للناس بعدم التزامهم، وهذا صحيح، فأغلب من تراهم لا يستعملون الكمامات، وحتى لو دخلوا بها إلى الوزارات والمحلات الكبرى والمدارس، يخلعونها بعد الدخول، فيما الناس يتهمون الحكومة بالمقابل بكونها المسؤولة عن عودة الوباء، بعد ثغرة معبر جابر، وبعض القضايا التي أدت إلى عودة الحالات، سواء في المدارس، او المستشفيات، وغير ذلك.
وسط هذا الجدل، يدفع الكل الثمن، فقد دفعنا ثمنا كبيرا، في بلد يعيش اقتصاده يوما بيوم، ولا يحتمل أساسا أي إغلاق، كما أن كل الاطراف متضررة من الاغلاقات الجزئية والكلية، وتكفي حالة الناس المعنوية التي وصلت إلى الحضيض، بسبب الخوف من الواقع، والمستقبل، فوق الخوف الأكبر من عدم قدرة النظام الصحي على تحمل كلفة تفشي الوباء، بما يجعل خيار العودة للحظر الشامل، خيارا موجودا لكنه قد يختلف قليلا عن نمطية المرة الماضية.
إذا تواصل تفشي الحالات، فسنعود إلى سيناريوهات اغلاق محافظة ما، او محافظتين، او تقطيع المحافظات او الاحياء، بحيث يمنع الحركة بينها، وقد نصل إلى مرحلة يتم فيها تغيير ساعات الحظر، او فرض حظر الجمعة والسبت، لأن الحكومة تريد بكل الوسائل أن تتجنب الحظر الشامل بصيغته التي عشناها وكانت مكلفة جدا على الناس والدولة.
لكن علينا بالمقابل ان نتخيل هنا، ماذا سيحدث اذا تفشت الحالات وأصبحت بالمئات، وخرجت كل الأمور عن السيطرة، حيث لحظتها سيكون الحظر الشامل اجباريا، وليس اختياريا؟.
هذا التوقيت لا ينفع فيه اللوم ولا العتاب، فالخطاب الرسمي يريد ان يقول ان الناس هم السبب، وانهم لا يريدون ان يصدقوا أن هذا الوباء قاتل، وهم أيضا، لا يريدون الحظر الشامل، لكنهم في الوقت ذاته يتصرفون بطريقة ستؤدي إلى الحظر الشامل، مهما حاولت الحكومة تجنب هذا السيناريو، وهذا امر حدث في دول عديدة، انفتحت وعادت للحياة الطبيعية لكنها اضطرت لاحقا ان تعود للحظر الشامل، فيما الناس يوجهون الاتهامات للحكومة، ويقولون انها هي التي تسببت بتفشي العدوى في المدارس لأنها أعادت الدراسة بشكلها الاعتيادي، وهي التي لم تستطع ان تحمي القطاع الصحي من تفشي الحالات فيه، فأصيب أطباء وممرضون، وهي أيضا التي تجرب الوصفات علينا، وليس لها سياسة ثابتة، ولا مدروسة، ولا عاقلة أيضا.
تبادل الاتهامات بين الطرفين، وتحميل المسؤوليات، وتبادل الاتهامات، مهزلة لا نحتملها في هذه الظروف، والانقسام حول طريقة الخروج من الازمة، ما بين من يريد الانفتاح بشروط وبين من يريد الحظر الشامل، او الجزئي، يعمق الازمة اكثر واكثر، بعد ان سادت الشكوك، وبات هناك انطباع ان هناك تخبطا في إدارة الازمة، وسوء إدارة من الكل، رسميين وشعبيين، وتقلبا بين الوصفات، بسبب الضغوطات من كل الجهات، وليس ادل على ذلك من انقسام الناس مثلا في قصة فتح المطار، وانقسامهم أيضا في قصة فتح المدارس.
لم أفهم كلام الرئيس الا في سياق واضح ومحدد يقول ان العودة إلى الاغلاقات أيا كانت صيغتها، سنكون نحن السبب فيها، وليس الحكومة، وهو هنا يرمي الكرة في ملعب الناس، لعلهم يساعدون في ردع الوباء، عبر حماية انفسهم، والرسالة هنا، وإن كانت على بساط تحميل المسؤولية، إلا انها أيضا تستبق أي قرار عبر القول، لقد حذرناكم لكنكم لم تستمعوا.
بهذا المعنى علينا ان نستعد لكل الاحتمالات خلال الفترة المقبلة، لأن علينا ان نعترف في النهاية ان نظامنا الصحي، ليست لديه إمكانية أصلا، لتحمل كلفة تفشي الوباء، ولا نتائج سيناريو التعايش، وهذا يقول إن الأشهر القليلة المقبلة، أصعب بكثير من سابقاتها.
لقد تعبنا كثيرا.