الإثنين، 12-12-2022
04:04 م
بكل المقاييس والمعايير المعتادة في فهم العلاقات الدولية جاءت القمة العربية الصينية في الرياض وكأنها لحظة تاريخية تربط الماضي بالحاضر فالمستقبل، حتى التفاصيل الصغيرة والكبيرة في ترتيبات المباحثات السعودية والصينية بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والرئيس شي جين بينغ، والقمة الخليجية الصينية، والقمة العربية الصينية كلها تؤشر على حالة غير مسبوقة في كيفية إعادة ترتيب المصالح المتبادلة، ضمن مفهوم الأمن والتنمية والانفتاح غير المحدود.
سيقال الكثير عن ذلك الحدث المهم، وعن ردود الأفعال في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية حول أبعاده ونتائجه وآفاقه، ذلك أن الحرب التجارية بين الصين والدول الغربية قائمة ومعلنة، والأزمات الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا، وما يتربط بها من أزمات الطاقة والغذاء، فضلا عن المناخ، والتهديد بالأسلحة النووية وغيرها من التهديدات ترسم بالفعل صورة قاتمة للحياة على الأرض ولسلامة البشرية التي تسودها مظاهر الفقر والجوع والبطالة وانتشار الفيروسات والأمراض والحروب الأهلية!
ما يهمنا من ذلك كله هو موقع بلدنا الأردن من هذه التطورات والتغيرات المتسارعة في الوقت الذي يواجه معه تحديات أزمته الاقتصادية، ويمضي في اتجاه عملية متكاملة من التحديث السياسي والاقتصادي والإداري، ويسعى قدر استطاعته إلى شراكات اقتصادية في محيطيه العربي والدولي، الأمر الذي يجعله على موعد مهم للغاية كذلك الموعد الذي تم في الرياض نهاية الأسبوع الماضي.
قبل أن يذهب جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الرياض كان جلالته قد أتم جولة شملت مصر والجزائر وايطاليا، وفي هذه المسافة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط امتدت عبر التاريخ القديم والحديث سبل من التفاهم والتعاون بين الأردن منذ أن كان موطن الأنباط، وممر الحضارات التي تذكرنا بتجارة الحرير والبخور والتوابل، فهو الحاضر الدائم والمتجدد في العلاقات الإنسانية عبر كل الأزمان.
ليس هذا الوصف من باب التغني بالتاريخ أو الميل للسرد الأدبي، وإنما للتذكير والتأمل في مدى التوافق بين ما يؤمن به الأردن في مسألة الأمن والسلام والتعاون الدولي وما ورد من نقاط مركزية في البيان الختامي للقمة العربية الصينية بشأن الشراكة الإستراتيجية بين الدول، القائمة على احترام السيادة، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وفرض الهيمنة، واستخدام القوة أو التهديد بها، وتعزيز الروابط الثقافية والعلمية والإنسانية بينها، وكلها في صميم المبادئ التي يؤمن بها الأردن ويمارسها باعتبارها قيما ثابتة في سياسته الخارجية.
لقد جسد ذلك البيان موقف الأردن بشأن القضية الفلسطينية، والقائم على حل الدولتين، وحقوق اللاجئين، والوضع التاريخي والقانوني للقدس الشريف، ورفض الممارسات أحادية الجانب، وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني، وتأكيد مبدأ حل النزاعات كلها بالطرق السلمية، وتعزيز فرص الأمن والتعاون من أجل السلام والاستقرار .
نقف في منتصف الطريق ضمن هذه المعادلة، ونحن نحتفل بمرور خمسة وأربعين عاما على إقامة العلاقات بين الأردن والصين، وفي عام 2015 وقع البلدان اتفاقيات شراكة إستراتيجية في مجالات الطاقة والنقل والاتصالات، وقطاعات أخرى تقدر بسبعة مليارات دولار، ويزيد حجم التبادل التجاري بينهما عن أربعة مليارات وأربعمة مليون دولار، وهناك الكثير من مجالات التعاون ذات أبعاد تكنولوجية وصناعية وتعليمية وتدريبية، ولكن أمام ذلك التطور الكبير في مجالات الشراكة العربية الصينية ضمن خطة (الحزام والطريق) فقد حان الوقت لنعيد النظر في الطريقة التي يتوجب أن نتعامل بها مع شراكات بهذا الحجم، واثقين في قدراتنا من ناحية، ومتذكرين أننا ما زلنا في الموقع الذي كان إستراتيجيا عبر التاريخ، وما يزال !