كانت الحكومة قد أعلنت على لسان رئيسها قبل شهور ان انتخابات النقابات المهنية سوف تعقد، وهي انتخابات تأجلت لغالبية النقابات، بسبب الوضع الصحي، إلا أن الحكومة عادت وتراجعت، بذريعة الوضع الصحي، ورفضت عقد الانتخابات، أو تحديد موعد واضح.
هذا جرى في الوقت الذي أجريت فيه الانتخابات النيابية، في ذروة ارتفاع الإصابات بوباء كورونا، ولم تتراجع الحكومة عن اجراء الانتخابات، برغم معرفتها مسبقا، ان أجواء الانتخابات، وما بعد اعلان نتائج الانتخابات ستؤدي الى زيادة الإصابات، بسبب الاختلاط، الا انها ذهبت حتى النهاية وأجرت الانتخابات النيابية، والكل يتذكر المخالفات التي رأيناها.
وسط هذا المشهد يتم الإعلان أيضا عن موعد انتخابات البلديات، وهي انتخابات ستؤدي الى ممارسات كثيرة، ومخالفات أيضا، برغم ان الإعلان عن موعدها، جاء مبكرا، حيث سيتم عقدها في شهر آب، وبيننا وبين هذا التوقيت شهور عديدة، ولربما الحكومة تراهن هنا، على زيادة عدد الذين يحصلون على اللقاحات، وعلى انخفاض الإصابات، وبحيث يكون عقد انتخابات البلديات، آمنا، مع ان تجربة الانتخابات النيابية، تثبت ان الذهاب لصناديق الاقتراع، قرار سياسي، قبل ان يكون فعليا، قرارا مرتبطا بالوباء، او زيادة حالات كورونا. الملف الوحيد المعلق هو ملف انتخابات النقابات، بما في ذلك النقابات الكبيرة، وتلك قليلة العدد، حيث ان قرار التأجيل يشمل الكل، وهذا غير منطقي، وغير مقبول، لأن أوضاع النقابات بحاجة الى حلول بشكل عام، وهناك قضايا بحاجة الى تحريك على يد مجالس جديدة، كما ان حجم التذمر في كثير من النقابات بلغ اعلى مستوياته، ولو استمعت الحكومة الى أعضاء الهيئة العامة، من أي نقابة موجودة، لسمعوا كلاما كثيرا، يختلف عن الذي قد يقوله مجلس النقابة ذاته، الذي لن يهتم كثيرا، لتأجيل الانتخابات، لكونه ما يزال موجودا في موقعه.
كيف يمكن ان نقتنع بتأجيل انتخابات النقابات، والحكومة ذاتها سمحت بانتخابات نيابية شاركت بها اعداد كبيرة والوباء يتفشى بكل قوة، في الوقت الذي تحدد منذ الآن موعد الانتخابات البلدية، ولا احد يعرف كيف سيكون وضع الوباء في الأردن، وبينهما يتم تعليق ملف انتخابات النقابات، وكأن المشكلة هنا فقط، وهذا وضع غير سليم بكل ما تعنيه الكلمة، خصوصا، ان أعضاء النقابات سيكونون الأكثر التزاما بطريقة الانتخابات والوقاية والإجراءات الاحترازية، في حال تم اجراء الانتخابات، وقد كان بإمكان الحكومة التدرج في التجربة، عبر السماح لأقل النقابات عضوية من حيث عدد الافراد بعقد انتخاباتها، ثم الذهاب بشكل متدرج الى النقابات الأكثر عددا، وتحسين إجراءات الوقاية، اذا كان السبب الصحي هو المانع الوحيد، وهذا غير صحيح، كوننا شهدنا انتخابات نيابية، انفلت فيها الجمهور، اكثر من مرة. ربما تتحوط الحكومة من حدوث تحولات سياسية في اجسام مجالس النقابات، او انها لا تمتلك ترف الوقت لهندسة النتائج مسبقا، او التأثير عليها في انتخابات النقابات، فتفضل ان يبقى كل شيء على حاله، على أساس ان الذي جربته وعرفته، خير من مجلس قد لا تعرفه الا بعد فوات الأوان، خصوصا، في ظل مطالب وقضايا كثيرة، مهنية وسياسية قد تنعكس على أجواء انتخابات النقابات، في هذا التوقيت الحساس اجتماعيا واقتصاديا، وعلى اكثر من جبهة.
إننا ندعو الحكومة صراحة اما لإعلان أسبابها الحقيقية لتأجيل انتخابات النقابات المهنية، او ان تعلن عن جدولتها وفق تواريخ، مثلما أعلنت عن موعد الانتخابات البلدية، وبحيث يكون التدرج على أساس النقابات الأقل عددا، وبدون ذلك يصير الكلام عن اصلاح سياسي، غير مكتمل، في ظل أجواء تفترض أيضا اصلاح النقابات، وبقية المؤسسات، بما في ذلك البلديات، ومجالس اللامركزية، وصولا الى قانون الانتخابات النيابية والتعديلات المفترضة عليه.