ضمت وزارة المالية 29 وحدة حكومية إلى قانون الموازنة العامة، صحيح أن هذا الإجراء أضفى شفافية ورقابة وشمولية على بيانات نظام معلومات مالية الحكومة لكن ذلك ليس بديلاً عن الدمج والإلغاء. يعرف وزير المالية أن الخيارات في ضغط النفقات التشغيلية للدوائر الحكومية من كهرباء وماء وقرطاسية وصيانة إلى آخره محدودة جداً وأن فرض رسوم وضرائب غير ممكن وأن الحل في تخفيض حجم الحكومة، وشطب بعض الوحدات الحكومية. دمج وإلغاء مؤسسات مستقلة لا لزوم لها ليس قرار حكومة بعينها بل هي مسألة عابرة للحكومات، والإجراء الى تباطؤ، وقد خضع لتأجيل الحسم فيه مراراً، فهل نرى تسريعاً لهذا الملف؟.
كان الهدف من إنشاء الهيئات والمؤسسات الحكومية المستقلة، تجاوز الروتين، ونقل المسؤولية من الإدارة إلى الرقابة والتنظيم، لكنها بدلاً من ذلك توسعت وتورط بعضها في الإدارة حتى فاق عددها عدد الوزارات وباتت تنازعها المسؤولية فأصبح لكل قطاع أكثر من رأس يديره ويتابع شؤونه. هناك هيئات ضرورية في جسد الدولة لكن بعضها عبء وباتت أجسادها عصية على الاستئصال وقد كَبُر حجمها من دون عمل، في حين كان ينبغي أن تصغر مع إنجازها مهماتها، فما كان تستدعيه عمليات التنظيم من حجم ونفقات أصبح ممكناً تقليصه على افتراض أن استكمال المهمة لا توجب استمرار الحجم على ما هو عليه، فأفاقت الحكومة على موازنات تناهز موازنة الدولة العامة، وبعجز يقارب عجز الموازنة العامة.
كان يفترض بهيئات التنظيم أن تحل محل الوزارات التي تقوم بذات المهمة، لكن ذلك لم يحصل، فاستمرت الازدواجية وتعدد المرجعيات كما استمر التشابك والتداخل الذي انتقل الى الهيئات ذاتها، كما استمر تنازع المخصصات ومعه تشتت الانفاق. بإحصائية سريعة هناك أكثر من عشر هيئات لها اختصاصات ما تزال مسنودة الى وزارات، يمكن ببساطة الاستغناء عنها أو الاستغناء عن الوزارات. السؤال الذي يجب أن يطرح هو هل نريد تصغير حجم القطاع العام، الذي ما يزال يدير أكثر من 50% من الاقتصاد أم إبقاءه على ما هو عليه أم زيادة حجمه؟.