لا يمكن أن أصدق أن الاحتلال الاسرائيلي سوف يتخلى عن مخططاته داخل الحرم القدسي، اذ يوما ما سوف نصحو على كارثة داخل الحرم القدسي، تفجير، تقسيم، او أي شيء آخر.
رمزية المسجد الأقصى ومكانته، لا تلغي بقية الملفات الفلسطينية، ولا احتلال المدن من حيفا الى يافا الى اللد، ولا عمليات غسل الهوية العربية الفلسطينية، واضعافها في كل مكان داخل فلسطين، لكن مكانة الأقصى بالذات تحمل أهمية خاصة، خصوصا، ان المخطط الإسرائيلي بتهويد الحرم القدسي، يرتبط أساسا كما اشرت مرارا بملف تحويل القدس الى عاصمة للاحتلال، ومسح أي هوية عربية وإسلامية في هذه المدينة المحتلة منذ عام 1948.
قبل يومين فقط، أغلقت اوقاف القدس، الحرم القدسي، لمدة ثلاثة أسابيع بسبب وباء كورونا، لكن الاحتلال استفز من الخطوة، لأنها تقول ان السيادة في الحرم القدسي هي للأوقاف الأردنية، وللفلسطينيين على الارض، وبسبب هذا الاستفزاز أدخلت قوات الاحتلال مائة وأربعة وعشرين مستوطنا الى الحرم القدسي، عنوة، بعد ان أبلغت اوقاف القدس، انها وحدها التي تقرر فتح الحرم القدسي، او اغلاقه، وان القرار، هو قرار الإسرائيليين وحدهم، لا غيرهم.
أياً كانت دلالات هذه الخطوة، فهي تحمل ذات الخطورة، اذ ان الاحتلال ذاته يريد فرض سيطرته الإدارية والسياسية على الحرم القدسي، توطئة لفرض سيادته الدينية، وهو الذي يعرقل أي اعمال ترميم، ويتدخل بفتح المصليات، ويغلق الأبواب القديمة، ويفتح الأبواب ذاتها ويتحكم بعدد المصلين واعمارهم، ويسجن موظفي الأوقاف، بل ويعتدي على المصلين، ويدخل جنوده داخل المسجد القبلي، ويرمون قنابلهم المسيلة للدموع، داخل المسجد.
القصة هنا قصة السيادة، والإجراءات الإسرائيلية المتصاعدة التي ستأخذنا في الحد الأدنى الى سيناريو تقاسم الحرم القدسي، جغرافيا وزمنيا، على طريقة الحرم الابراهيمي في الخليل، أي قد يكون متوقعا ان تخرج إسرائيل في أي توقيت بقرار يقول للمسلمين ان حق الصلاة لكم مصان ومحفوظ لكن في هذا الجزء فقط من الحرم القدسي، فيما بقية الحرم ليس للمسلمين، والواضح ان إسرائيل لم تعد تأبه برد فعل الأردن ، ولا تأبه برد فعل سلطة اوسلو، ولا تأبه برد فعل العرب، ولا العالم، وليس ادل على ذلك من السيناريو الذي طبقته في الحرم الابراهيمي في الخليل، دون أن تأبه بردود الفعل، فيما اخطر ما قد لا تحسب إسرائيل حسابه هنا، يرتبط برد فعل الفلسطينيين على المستوى الشعبي، وانفجار الوضع داخل المدينة.
موجات الاقتحام سوف تتزايد، والمؤكد هنا، ان هذه عمليات تطويع تدريجية، ولن يواصل الاحتلال سيناريو الاقتحامات، اذ في لحظة ما سوف ينتقل الى درجة اعلى من سيناريو تهويد الحرم القدسي، على مستوى قرارات حكومية، او على مستوى تفويض منظمات إسرائيلية لتفجير مسجد قبة الصخرة، او حتى المسجد القبلي، وإعادة خلط كل الأوراق.
اكثر ما يثير الحزن حقا، ان المنطقة ابتليت بكل هذه الحروب وحملات التفقير والتجهيل، بحيث بات أهلها غير قادرين على شراء رغيف خبزهم، وكأننا امام حرب لتحطيم سوار القدس الشعبي الفلسطيني والعربي على حد سواء، من اجل ترك الأقصى وحيدا.
فتح الحرم القدسي عنوة، يوم الخميس الماضي، برغم قرار اوقاف القدس التابعة للأردن، اغلاقه بسبب وباء كورونا، وتحدي إسرائيل للأوقاف الأردنية بقولها ان قرار الفتح او الاغلاق، قرار إسرائيلي، يعني فعليا رسالة تقول ان السيادة في الحرم القدسي، هي لإسرائيل وليس للأردن، وهذه رسالة سياسية تؤشر الى مرحلة خطيرة مقبلة على الطريق.
فماذا نحن فاعلون، وكيف نقرأ هذه الرسائل رسميا، وماخططنا امام المستجدات؟!