في معرض تفاهمات تشكيل الحكومة الجديدة في إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو، أظهر الاتفاق بين أحزاب الائتلاف اليمينية تعهدات جديدة غير مسبوقة أخطرها أن “للشعب اليهودي حقا حصريا بكامل أرض إسرائيل (دون أن يحدد ما هي هذه الأرض)، وأن الحكومة ستستمر بإنشاء وتطوير المستوطنات”، وهذا يعني الإمعان بأخذ الأرض التي من المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية. الكلام خطير ونشره لا بد أنه جزء من الاتفاق من أجل إرسال ضمانات لقواعد أحزاب اليمين المشتركة بالائتلاف، إلا أن الكلام شيء والتطبيق شيء آخر والأرجح مختلف، لأن الكلام الانتخابي والائتلافي سيصطدم بواقع التوازنات الإقليمية والداخلية الأمنية.
الحكومة الإسرائيلية تتعرض لحملة نقد وهجوم شديدين على المستوى الدولي، أضعفها وكسر أجنحتها، ونتنياهو يعلم جيدا جدية ما يحدث، خاصة عندما يأتي من أهم المعاقل الداعمة لإسرائيل في العالم وواشنطن. صحيفة نيويورك تايمز، الأكثر قراءة وتأثيرا في أميركا وربما العالم، كتبت افتتاحية لفريق التحرير (أي أنه الموقف التحريري للصحيفة برمتها)، إن القيم الديمقراطية في إسرائيل في خطر، وإن حكومة نتنياهو تهديد محدق على مستقبل إسرائيل، وكان هناك عديد من المقالات لكتاب فحواها أن إسرائيل لم تعد التي نعرف ونحب وندعم.
ثمة وعي أيضا أن ضعف نتنياهو بسبب تهم الفساد التي تلاحقه جعله يفتح الباب ويخضع لأقصى اليمين، والخطر الأشد هنا، أن هذا الائتلاف المتطرف لن يفقد إسرائيل الدعم الدولي الذي تحظى به فحسب، بل الأرجح سيتضمن محاولات لتقليص صلاحيات المحكمة العليا في إسرائيل لصالح المجلس التشريعي الذي يسيطر عليه اليمين، وسيتضمن أيضا محاولات للنيل من النظام التعليمي الإسرائيلي ويدفعه لاتجاه اليمين. كل هذا عزز من موقع إسرائيل كدولة “لا خلاف عليها” لدولة وقضية “جدلية” في واشنطن والعالم، فإسرائيل بالفعل تخسر معركة الرأي العام يوميا وهذه الحكومة الجديدة عززت من ذلك.
كان هناك محاولة دفاع غير مؤثرة من قبل وزير المالية الإسرائيلي، زعيم الحزب الصهيوني الديني، في ووال ستريت جورنال، حاول فيها رسم صورة حضارية ديمقراطية عنه وعن حزبه، ولكن ذلك لم يكن مقنعا بالمطلق، لأن الأقوال تتنافى مع الأفعال. وبما أن الأفعال هي الأهم، فرئيس مجلس الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، قادم لإسرائيل للاستطلاع على الأرجح عن سياسات الحكومة الجديدة حول المستوطنات وحول الدولتين والتزامات إسرائيل الأمنية الأخرى، وإلا فسيكون للإدارة الأميركية موقف وهذا مؤثر جدا في إسرائيل.
بالنسبة للأردن، لا شيء أدق من قول الملك إن ما يحدث في إسرائيل يعد يوم عمل معتادا لنا، فقد اعتدنا على وجود أناس وأحزاب تحاول النيل من مصالحنا والفلسطينيين، وإننا سنتعامل مع الأفعال لا الأقوال، وإننا مستعدون لمن يريد أن يختلق مواجهة معنا، أو يقترب من خطوطنا الحمراء، وإننا نعلم أن العالم كله يراقب ما يحدث في إسرائيل وليس نحن فقط، وأن عديدين بما في ذلك داخل إسرائيل قلقون من هذه الحكومة، وهذا يعني أن الأردن منفتح، وإن أوراقنا العديدة المؤثرة قادرة بالفعل على الوقوف أمام من يقترب من الخطوط الحمراء.