الإثنين، 20-03-2023
04:35 م
ذكرت في مقالي السابق أنه قد حان الوقت لتغيير قواعد النقاش من أجل فهم العملية السياسية التي يخوضها الأردن على أساس قانوني الانتخاب والأحزاب الجديدين، ذلك أن مجموعة الأفكار والآراء التي تحكم وجهات نظر أغلبية من المعنيين بالشؤون السياسية ما زالت أسيرة إرث حزبي يعود أصله إلى فترة نشوء الدولة وبداياتها المؤسسية، ومخاضاتها الوطنية منذ خمسينيات القرن الماضي، مرورا بمراحل إعادة التشكيل الوطني وفق الظروف المحلية والإقليمية والدولية، والتغيرات التي طرأت على توجهات المجتمع وأولوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
استخلاص النتائج لا يجوز أن يقودنا إلى طريق مسدود، بل إلى ضرورة فهم التطورات السياسية ضمن مراحلها، وأسباب تراجعها أو تقدمها في السياق التاريخي، فالأحزاب التي نشأت مع تأسيس الدولة حملت شعارات الاستقلال التام وبناء الدولة على منظومة المبادئ التي حملها المشروع النهضوي العربي، وتبعتها أحزاب ترفع شعارات الوحدة العربية، والأيديولوجيات الأممية، وغيرها مما ساد في الأوساط السياسية متأثرة بنظريات وتيارات كانت تشكل في حد ذاتها أنماطا جديدة من الاتجاهات الفكرية والثقافية المبهرة في ذلك الزمان.
جاءت تجربة الأحزاب الأردنية الوطنية على موعد مع التحول الديمقراطي في ثمانينيات القرن الماضي، وأدت بسبب كثرة عددها وقلة تأثيرها إلى حالة من الجمود السياسي، لكنها أبقت على مفهوم الحياة الحزبية قائما، وليس شاهدا نستحضره في كل مناسبة لكي نحكم على التجربة ماضيا وحاضرا ومستقبلا، خاصة وأن معظم تلك الأحزاب تعيد الآن ترتيب أوضاعها لتكون جزءا من العملية السياسية الجديدة!
قواعد النقاش لا بد أن تضع معايير صحيحة عند البحث والتحليل لمرحلة دقيقة من تاريخ الأردن، وهو يحافظ على حيويته، ويثبت عناصر قوته وحضوره في التوازنات الإقليمية والدولية، في وقت يقف فيه العالم تارة على حافة حرب عالمية ثالثة، وتارة على حافة انهيار اقتصادي ومالي عالمي، وأخرى على حافة تغير مناخي، وانتشار وبائي، وغير ذلك من مؤشرات تدور كلها في فلك اللايقين، الأمر الذي يفرض علينا صيانة قواعد بيتنا الداخلي لكي يكون أكثر قوة، وأشد تحملا للتحديات والمخاطر والتهديدات، وعلى هذا الأساس جاءت عملية التحديث السياسي والاقتصادي والإداري لتكون جزءا مهما في إعادة تشكيل الحالة الأردنية ضمن وضع استثنائي بكل المعايير!
تقتضي قواعد النقاش الجديدة أن ندرك بصورة واضحة مفهوم (الحزب البرامجي) الذي يشكل العمق الحقيقي لتجربتنا الحزبية الحديثة، لكي نميز بين العمل الحزبي كفعل نضالي أيديولوجي، والعمل الحزبي كفعل نهضوي شامل، يجمع بين صفوفه السياسيين ليتعاملوا مع السياسة، والاقتصاديين ليتعاملوا مع الاقتصاد بجوانبه ومجالاته العديدة، وكذلك المفكرين والمثقفين والأطباء والمهندسين والطلبة وغيرهم من العاملين في القطاعات جميعها، ليكون اهتمام الحزب وخطابه منصبا على الشؤون العامة كوحدة واحدة، يعبر عن موقفه بناء على الخبرة والمعرفة والحقائق وليس الأهواء أو الانطباعات، أو المزايدات.
مرة أخرى نحن في بداية الطريق، وقواعد النقاش الجديدة تلح علينا كي نجد الجوامع المشتركة بين النخب، لنقارب بين وجهات النظر، ونقيم مشروعنا الوطني على أساس المتفق عليه، بدل المختلف عليه، بعيدا عن الاتهام والحرد والتجريح والسوداوية، وسوء الظن!