الثلاثاء 2024-11-26 05:39 ص

شعب يحب الحياة

01:04 م
تمتلئ ساحات حدائق الحسین غربي العاصمة عمان كل مساء بآلاف المواطنین القادمین من مختلف المحافظات للتمتع بفعالیات مھرجان صیف عمان الذي تنظمھ أمانة عمان. فعالیات المھرجان التي شارفت على نھایتھا تشتمل على فقرات غنائیة ونشاطات ثقافیة موجھة للصغار والعائلات.


نساء ورجال وأطفال یقفون جنبا إلى جنب ینشدون الأغاني مع فنانین أردنیین، وینخرطون في أمسیات تمتد لساعات متأخرة، وسط تنظیم ممتاز.

ومنذ یومین شرعت مؤسسة شومان بتنظیم أسبوع ثقافي في مدینة السلط ضمن برنامجھا الذي یسعى لنقل النشاط الثقافي والفني من عمان إلى المحافظات كافة. المنظمون منبھرون من حجم التفاعل الشعبي في المدینة العریقة مع الشأن الثقافي، وزخم المشاركة في الأمسیات الشعریة والفنیة وبرامج أخرى مخصصة للأطفال.

وعندما نظمت وزارة الثقافة قبل أسبوع یوما لتوزیع الكتب مجانا على المواطنین في المدرج الروماني، شھدنا جمیعا تھافتا غیر مسبوق من العائلات، لا نشھد لھ مثیلا في العادة إلا على عروض المولات التجاریة.

أمسیات المحافظات التي نظمتھا الحكومة خلال شھر رمضان وضمن برنامج ”أردن النخوة“ كانت نموذجا حیا وناجحا على رغبة الأردنیین في كل أنحاء الوطن على حضور النشاطات الترفیھیة والثقافیة، والتفاعل معھا بحماس یعكس تعلق الناس وحبھم للحیاة. 

لسنا ذلك الشعب الذي یحاول البعض تصویره؛ منغلق، یكره الموسیقا والفن ویرفض الاختلاط، وینبذ مباھج الحیاة ولا یھتم بالشأن الثقافي.

المشاھد من عمان والسلط والكرك وإربد تفید بعكس ذلك تماما. كل ما في الأمر أن القوى الحیة في المجتمع استسلمت لانطباعات خاطئة، ورضخت لتھدیدات قوى متشددة، تحاول حشر الأردنیین في تصنیفات لا تتسق أبدا مع تاریخھم الاجتماعي والثقافي، وإرثھم من التنوع والانفتاح. وعندما یجد الناس فرصتھم للتعبیر عن أنفسھم بحریة، یقدمون صورتھم على حقیقتھا كشعب محب للحیاة، وھو في نفس الوقت لا یسقط قیمھ الأخلاقیة من الاعتبار.

النشاط المسرحي على محدودیتھ في الأردن، یلقى تفاعلا معتبرا من أوساط اجتماعیة واسعة، خاصة العائلات. الموسیقا المعاصرة تشد قطاعات كبیرة من الشبان، ومثلھا الأمسیات الأدبیة والشعریة؛ ھنا في عمان وفي مدن المملكة عموما. وثمة تركیز لا بد من دعمھ حالیا على الأعمال الفنیة الموجھة للأطفال، لأنھا المفتاح لبناء شخصیة متصالحة مع عالمھا ومدركة لقیم التعایش وقبول الآخر.

الفن أھم وسائل التعلیم في العالم المعاصر، إنھ مثل المختبرات التي یتقن فیھا الطلاب مھارات الفیزیاء والكیمیاء، فھي التي تعلمھم الخبرات الاجتماعیة وتزرع فیھم مفاھیم الحداثة والتنویر والمعرفة.

المؤسف أن ھذه الوسائل تراجع دورھا في العملیة التعلیمیة، فلم تعد مدارسنا الحكومیة تدرس فنون المسرح والموسیقا، ولا تعرض لطلابھا شیئا من روائع الأدب العربي والعالمي، إلا في أضیق الحدود.

ذلك كلھ انعكس فقرا معرفیا، وجھلا بقیم الحیاة وقبولا وفھم العالم من حولنا، وأخطر من ذلك السقوط في خانة التحریم والتكفیر لكل ھذه القیم والثقافات الإنسانیة.

ما یزال لدى الأردنیین القدر الكافي من قیم الحیاة وتنوعھا، وھم على استعداد للتعبیر عن أنفسھم بجرأة كلما اتیحت لھم الفرصة، فقراء كانوا أم اغنیاء.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة