في رسالته التي وجهها للأردنيين مؤخرا، تحدث جلالة الملك عن فئة من المسؤولين المرتجفين غير القادرين على اتخاذ قرار في صلب أعمالهم، وحث جلالته على الجرأة في العمل. لكن هل حقا بتنا اليوم نملك من هو قادر على أن يكون كذلك؟
بالتأكيد هناك الكثير من هذه الفئة، لكنهم يأتون بالصدفة، ويصطدم العديد منهم بآخرين وظيفتهم الأساسية وضع العصي في الدواليب، وكبح الإنجاز والنجاح، وبث الرهبة والخوف في النفوس، وللأسف ينجحون في ذلك، لتكون النتيجة في النهاية “مسؤولين لتسيير الأعمال”، ووظائف عليا بلا إنجازات!
إن أردنا التغيير حقا، فينبغي لنا أن نحدد الأسباب التي تكمن وراء الخوف والجبن والتردد. الإجابة، برأيي، تتصل في أننا وطيلة سنوات طويلة لم نتمكن من صناعة القادة في مختلف القطاعات، ومن تمتع بهذه الصفة كانوا قلة، امتلكوها بصفاتهم الفطرية والكاريزماتية الخاصة، وبعد أن انتهى زمانهم، غدت المناصب توزع وفق المحسوبية والصداقة والتوريث.
الخوض في الأسباب وندب الحال، لن يفيد أحدا، فالواقع يفرض نفسه بكل خيباته، أما المستقبل فالمعادلة ثابتة وتشير إلى أن الإصرار على الإدارة بالرؤى ذاتها سيدفعنا؛ دولة ومؤسسات ومواطنين، نحو مزيد من الخيبات. وحتى نبتعد عن التنظير والتشخيص والتحليل الذي من شأنه بث مزيد من الإحباط في نفوس الأردنيين، لا بد من مشروع كبير عنوانه صناعة جيل المستقبل، وقوامه الإنسان الأردني.
نظرة سريعة على النظام التعليمي الأردني، تجعلنا نشعر بالأسى الشديد، خصوصا حين ننظر إلى المناهج وأساليب التدريس، والتي ما تزال عاجزة عن مواكبة علوم المستقبل، أما المعلم، فدراسات ومسوحات تقدر بأنه ما يزال يحتاج إلى تدريب وتأهيل كبيرين لكي يتحول من وظيفته الكلاسيكية كمرسل للمعلومة، إلى ميسر للحصة التي ينبغي أن تكون تفاعلية بينه وبين الطلبة.
أما البيئة المدرسية، فما تزال طاردة، فكثير من المدارس لا يتوفر بها الأمان للطالب، كما أنها لا تشتمل على أي منشآت أو مساحات لاكتشاف الذات والميول والهواية، حتى المكتبة المدرسية غير موجودة في نسبة كبيرة من المدارس، وإن توفرت سنجد غيابا للشخص المؤهل لقيادة الحصة، وخلق البرامج والأنشطة التي تسهم في جعل الكتاب والمعرفة لصيقين بالطالب، ووفق ذلك حتما لن نصنع المستقبل الذي نأمل ونرجو.
الوعي السياسي لدى فئة كبيرة من الشباب، مسألة أخرى مهمة، فشبابنا بعيدون عنه رغم أنهم نواة التحديث السياسي المنشود خلال العشرية المقبلة. هم غائبون اليوم عن هذا المجال، فهل من خطط لدفع الراغبين في خوض غماره للانغماس في العمل السياسي، وهل هي مقنعة وقابلة للتطبيق؟
أما اقتصاديا، فلا يمكن إخفاء حقيقة أن سياستنا تقوم على منهج تفادي اللكمات، دون التفكير بتوجيه لكمة هجومية، أي أننا لا نستبق الأمور، ولم نقف عند معادلة أن غالبية من أداروا الملف الاقتصادي فشلوا فشلا ذريعا، وسيواصلون ذلك إذا ما استمر تسيدهم للمشهد، فهل لنا أن نهيئ الجيل المقبل للتعاطي مع هذا التحدي. المسألة تحتاج إلى تبني من لديهم القدرة على ذلك وتوفير كل ما يحتاجونه لصناعة مستقبل اقتصادي معقول.
علينا أن نوقف نهج الإدارة القائم اليوم، وأن ننظر إلى التحديات المفروضة علينا، وتلك التي سنواجهها في القريب العاجل. لقد جربنا المرتجفين، ولم يقدموا لنا أي إضافة. نحتاج اليوم إلى صناعة قادة المستقبل، والذين سيقودوننا خلاله بثقة وعزم، وقدرة على اتخاذ القرار الجريء. فقط؛ امنحوهم الفرصة والدعم.