أيهما أولى؟ أن تدافع الحكومة عن التعديلات الدستورية أمام مجلس النواب، أم تذهب إلى الأردنيين حيثما كانوا، لتشرح لهم موجبات هذه التعديلات، وتحاول أن تقنعهم بها، بعد أن تعذر طرحها باستفتاء عام؟
الإجابة بالطبع معروفة، الحكومة اختارت الطريقة الأسهل والمضمونة، وشهدنا الرئيس ونائبه يتسابقان لكتابة أسماء النواب الذين صوتوا على إحدى المواد، وفرز المؤيدين منهم والمعارضين، لكن لم تسجل الأخبار طيلة الفترة الماضية، عن لقاء للرئيس او احد الوزراء في أي محافظة مع المواطنين، ما يعني أن الحكومة التي كلفت بمهمة إنجاز منظومة التحديث السياسي، لم تقم بهذا الواجب على الوجه الصحيح .
الدليل على ذلك، أن قاعدة المعارضين لما تم من تعديلات أصبحت تتوسع، كما ان الرواية الرسمية التي قدمت للمجتمع حول هذا الموضوع كانت ضعيفة وغير مقنعة، زد على ذلك أن ما يجري داخل مجلس النواب من عراكات، وما تسرب من أخبار حول “مقايضات” جرت بين النواب والوزراء، ناهيك عن تواضع ثقة الناس أصلا بالسلطتين معاً، كل ذلك ساهم ببروز حالة التشكيك والتوجس من مشروع التحديث، ودفع بعض الكتل الاجتماعية للاحتجاج عليه.
الحكومة أولا، ومجلس النواب ثانيا، مسؤولان عما جرى، ليس فقط من جهة إعداد المضامين او تمريرها، وإنما من جهة إدارة الملف وتولي الدفاع عنه، وتوضيح أهدافه، والرد على أسئلة الناس حوله، ما حصل ان الحكومة حاورت النواب، وحين ضمنت اغلبية مريحة، مدت “لسانها” للمجتمع، وكأنه لا علاقة للأردنيين بما جرى، فيما كان الواجب أن تتحرك الماكينة الرسمية بكاملها للميدان، لتقف خلف مشروع التحديث، وتناقش بنوده على الملأ، وتأخذ آراء الناس على محمل الجد.
لو حصل ذلك، مع ما يلزم من حكمة وصراحة، لما شهدنا موجة الانتقادات والاشاعات والتأويلات لكل بند من بنود التعديلات الدستورية، ولما اشتغل الخيال الشعبي، لدرجة ان بعض الأردنيين باتوا يعتقدون أن الأردن بعد التعديلات أصبح في مرمى “الخطر”، وان هويتهم ووجودهم يتعرضان لمؤامرة، كما ذهب آخرون للدعوة لمؤتمرات شعبية من أجل الدفاع عن البلد، لقد وصلنا فعلا لهذا الحد من التخويف والتحشيد ضد مشروع الإصلاح الذي انتظرناه واستبشرنا به، والسبب كما ذكرت سلفا، عجز الادارة العامة للدولة عن حمل المشروع والدفاع عنه.
سؤالان اثنان – على الأقل – توقف أمامهما أغلبية الأردنيين ، واختلط نقاشهم حولهما بكل ما يخطر للبال من تأويلات وهواجس، ولم نسمع من المسؤولين أية ردود مقنعة حولهما، الأول سؤال (الأردنيين والاردنيات)، حيث استدعت ذاكرة الأردنية هواجس التجنيس والديموغرافيا، وحقوق المرأة الدينية والسياسية.. الخ، والثاني هو سؤال مجلس الأمن القومي الذي ستدعي أيضا تأويلات متباينة حول شكل الدولة ، والنظام السياسي وولاية الحكومة، ودور مجلس النواب، كان يمكن للحكومة (الدولة إن شئت) أن تحكم روايتها بشكل مقنع، لتجيب عليهما، لكنها لم تفعل ذلك حتى الآن.
ما يزال ثمة متسع من الوقت لتتحرك الحكومة بين الناس ، في المدن والأطراف ، وتفتح أمامهم ما لديها من معلومات وشروحات حول ما جرى من تعديلات دستورية وأخرى تشريعية ، وحول منظومة الإصلاح ومناخاتنا السياسية واوضاعنا الاقتصادية..، فالأردنيون يريدون ان يسألوا ويتلقوا إجابات صريحة، وأن يسمع منهم أيضا ويؤخذ بآرائهم، عكس ذلك ، سنبقى ندور في حوار طرشان وسنخذل بلدنا، وسنعود للمربع الخطر، وعندها لن نعرف كيف نخرج منه بسلامة.