كثيرة هي الأصوات التي شككت وما تزال في قضية الفتنة التي صادق النائب العام لمحكمة أمن الدولة أمس على قرار الظن الصادر عن مدعي عام المحكمة في القضية المتعلقة بالمشتكى عليهما كل من باسم عوض الله والشريف عبدالرحمن حسن زيد حسين.
نشرت لائحة الاتهام التي كشفت بالأدلة علاقة عوض الله والشريف حسن والأمير حمزة، وهي لائحة مبنية على اعترافات المشتكى عليهما من جانب، ومن جانب آخر عبر رصد أمني لتحركاتهما لأشهر، ما يعني أن على المشككين بالقصة إعادة قراءة المشهد بأدلته وأبعاده ومحوره السياسي والقانوني.
لا أريد أن أزايد على أي مواطن أردني بضرورة الإيمان المطلق بمؤسسات الدولة وما ينطق عنها، فأنا كغيري أتوقف أحيانا مشككا بالكثير من الملفات في الدولة، وأطرح عشرات الأسئلة والاستفسارات التي لا أجد لها إجابة مقنعة، ولا أرى أنني بلغت مرحلة عليا من الثقة بكل ما تتحدث به الحكومات المتعاقبة أو تعلن عنه نتيجة لتراكمات الهزائم والاحباطات التي سببتها لنا، لكن من الطبيعي أن يزول الشك أمام الأدلة والبراهين التي تثبت صدق الرواية. وفي موضوع الفتنة اعتقد أن لائحة الاتهام بروايتها وأدلتها يجب أن تزيل شك الناس بحقيقتها، وخطورتها على الأمن المجتمعي لو نفذت على أرض الواقع، فهي تحدثت عن تفاصيل واسعة حول التنسيق الثلاثي المشترك بشأن مناهضة نظام الحكم السياسي في الأردن، حيث التقت الأطراف المشتركة بالفتنة كل وفق مصلحته الشخصية.
ورغم بعدها الأمني، إلا أن قضية الفتنة شكلت محورا سياسيا وقانونيا، والذهاب إلى بدء المحاكمة الأسبوع المقبل يؤكد سيادة القانون، وأننا في دولة مؤسسات تلتقي والشارع في محاربة كل ما من شأنه الإضرار في أمن الدولة واستقرارها، ونسيج مجتمعها، وهو الأمر الذي يجب أن يؤسس لمرحلة أكثر نضجا وصرامة في تطبيق القانون، حتى نستطيع تجاوز التشكيك المتواصل الذي يعيش في عقول وقلوب الأردنيين، لذا فإن لهذه القضية أبعادا تتجاوزها، حتى يطمئن المواطن بأن للمخطئ عقوبة سينالها. بدا واضحا وجليا الدور الذي كان يلعبه باسم عوض الله فيما يتعلق بصفقة القرن، وهي الدافع الذي جعله جزءا من هذه التركيبة، خصوصا وأن الموقف الأردني الرافض لها، كان عائقا حقيقيا أمام تنفيذها رغم الضغوطات الاقتصادية والسياسية التي مارسها ترامب وكوشنير من أجل الانغماس بهذه الصفقة.
حاول عوض الله التلاعب في ملف القدس الشريف، بهدف إضعاف موقف الأردن تجاه القضية الفلسطينية والوصاية الهاشمية على المقدسات، وهي خطوط حمراء أردنية دفعت المملكة ثمنها في عهد ترامب اقتصاديا وسياسيا، ورغم كل ذلك بقي الموقف ثابتا، ليأتي هذا الشخص ليحاول بائسا النيل من الدولة لتحقيق أجندات خاصة لها علاقة بدول خارجية. الأردنيون لن يرتاح لهم بال حتى يرونه خلف قضبان السجن، نصرة للقانون ولاستقرار الدولة، وللقضية الفلسطينية. يقول الفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون إن “الشك محفز قوي للوصول إلى المعرفة”، أي أن له فوائد إيجابية، لكن أن يكون بالإطلاق والعموم، وأن يتحول إلى أيقونة تسيطر على عقولنا وانطباعاتنا وكأنه حقيقة وواقع، فإن ذلك سيقودنا إلى مزيد من عدم الثقة بكل ما هو حولنا، وبالتالي مزيد من الدمار المجتمعي، وعلاقة المواطن بدولته.
أخطر ما قد يواجه الدولة اليوم هو الاستمرار بالتشكيك في كل ما هو محيط بنا. قضية الفتنة بجميع تفاصيلها وشخصياتها باتت واضحة للعيان والاستمرار في طرح التساؤلات غير العلمية يعني ببساطة أننا لا نرغب بأن نعترف بأن الدولة تضع اليوم سيادة القانون على المحك، وأنها توجه رسالة إلى أي مسؤول أو شخص يرتضي خرابا للبلد وبديلا عنه في الولاء والانتماء بأن مصيره بيد القانون. آن الوقت لأن لا نسلم أنفسنا بالإطلاق إلى وهم التشكيك في كل شيء.