الإثنين، 04-10-2021
04:13 م
كما كان متوقعا، فقد حدث تصعيد سياسي علني بين الأردن وسورية، بالمكالمة الهاتفية التي اجراها الرئيس السوري بشار الأسد، مع الملك، يوم امس، وهي خطوة ستؤدي الى خطوات.
لم يكن ممكنا ان تعبر زيارة وزير الدفاع السوري سابقا الى الأردن، ثم التنسيق الأمني بشأن الحدود والجماعات المتشددة وغير ذلك، وزيارة وزراء اقتصاديين سوريين الى الأردن، عن سقف محدد للعلاقات، حيث ان كل هذه الخطوات تحمل دلالة سياسية، كانت تؤشر كما قيل سابقا على تطورات سياسية ستقود لاحقا الى لقاءات سياسية على مستوى عال، وهذا امر متوقع وليس غريبا ان يحدث، خلال الفترة المقبلة، سواء في الأردن او سورية، عبر زيارة مسؤولين سياسيين من مستويات مختلفة، في أي لحظة، او توقيت معلن او مفاجئ.
السؤال الذي يطرحه كثيرون يتعلق بالكتلة السورية في الأردن، فهي كتلة لن يتم اتخاذ أي خطوات تمس استقرارها، على عكس ما يروج البعض، وستبقى آمنة، حيث ان بعضها خرج صوناً لحياته، او اعتراضا على سياسات دمشق الرسمية، وهؤلاء لن يتعرض لهم الأردن بأي شكل، حتى لو تحسنت العلاقات الرسمية مع سورية، وربما ستكمن قدرة الأردن هنا على الوصول الى تسوية مع السوريين تشجع عودة هؤلاء الى بلادهم، على الرغم من التوقعات بعودة عدد قليل جدا، بسبب ظروف كثيرة، يتعلق بعضها بنشوء أجيال سورية في الأردن، وتجذر مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية داخل المجتمع الأردني بكل تلويناته.
الوجه الآخر لهذه الكتلة يتعلق بوجود تعبيرات سياسية بين بعض افرادها، ضد النظام السوري، او وجود عدد قليل على صلة بالمعارضة السورية السياسية، وقد لا يتخذ الأردن إجراءات ضد هؤلاء مثل ترحيلهم، لكن المؤكد انه لن يرحب باستمرار هذه التعبيرات، وفقا لرؤية مصالحه خلال المرحلة المقبلة، سواء على الصعيد السياسي او الإعلامي، وهذا يعني انه من الطبيعي ان يخفض كل هؤلاء نشاطاتهم، اذا كانت موجودة، حتى لا يتم اتهام الأردن، بكونه يتبنى هؤلاء، او يرعاهم، مع الادراك هنا ان النشاط السوري المعارض، موجود اكثر في تركيا وألمانيا، وأوروبا، ودول ثانية، وقد يبدو في الأردن منخفضا في الأساس، لكنه لن يناسب المرحلة المقبلة، وهذا امر يتطابق مع سياسة الأردن الجديدة، التي ستراعي أيضا الجانب الإنساني في وجود هؤلاء، وعدم التسبب بأي اضرار تقع عليهم، بسبب التغير في السياسات.
اللافت للانتباه قدرة الأردن على التنويع في خياراته وعلاقاته، واذا كان البعض يغمز من قناة الأردن، ان الولايات المتحدة هي التي منحت الأردن مرونة في الحركة، فهذا امر جيد، فالمهم ألا تقف ضدك القوى الفاعلة في العالم، في ظل معادلات متقلبة، وهذا يفسر أيضا فتح الأردن لمدار جديد مع لبنان، برغم العلاقة الجيدة، تاريخيا، حيث انه بزيارة رئيس الوزراء الى بيروت، يكون قد اقترب اكثر من هذا المحور، تحت عنوان المصالح الاقتصادية المتبادلة.
على ما يبدو ان الأردن يتعامى عن العقدة الإيرانية في العلاقات مع العراق، سورية، لبنان، في ظل النظرية التي يتم تبنيها والتي تقول ان الانفتاح على العراقيين والسوريين واللبنانيين هو الحل الوحيد لتعزيز علاقاتهم العربية، وان عزلهم او تركهم فرادى بذريعة التدخل الإيراني، امر سلبي جدا، يزيد من عزلتهم، وانفراد الاخرين بهم ويخلخل كل المنطقة العربية ومصالحها.
مكالمة الأسد جاءت تعبيرا عن فترة ماضية من الاتصالات السياسية غير المعلنة بين البلدين، وعن العلاقات الأمنية القائمة، بعيدا عن الأعين، بعد ان وصل الجميع الى قناعة، ان وقف الحرب في سورية، هو الحل الوحيد، لمساعدة السوريين، وكل المنطقة، بعد ان تعرض السوريون الى ابشع حرب كونية، وتورط كثيرون فيها، بحسن نية، او سوء نية، ودفع الأبرياء ثمنها، بما يجعل الأردن يعزز نظريته السياسية الثانية، أي تأهيل نظام الأسد بدلا من اسقاطه، وهي النظرية التي نوقشت في واشنطن، خلال الزيارة الأخيرة ولقاء الرئيس الأميركي.
في ظلال كل هذا الكلام، هناك داخل الأردن، وخارجه، من لا ترضيه هذه التطورات، وهي تطورات سوف تتواصل، وفقا لحسابات الأردن، أولا، وأخيرا، لا حسابات الاخرين وخواطرهم.
كما قلنا سابقا، علينا ان نصبر، وننتظر، ولا شيء غريب بعد اليوم.