السبت 2024-11-30 19:08 م

كورونا .. يحدث في الأردن دون سائر الدول

02:38 م
منذ البداية اتخذت المواجهة مع فيروس كورونا بعدا شخصيا ومكانيا في بعض الأحيان، فلم يعد ذاك الذي نخوض معه المعركة عدوا غامضا لا نعرف له عنوانا أو ملامح.


في الأردن فقط وعلى خلاف الحال في كل البلدان صار للفيروس المستجد مجهول الهوية والإقامة اسما وبطاقة تعريفية كاملة الأوصاف، تعددت وتنوعت حسب المكان والمهنة والجنسية أيضا.

بعد تسجيل أول حالة إصابة بالفيروس، تداولت وسائل التواصل والإعلام اسم المصاب وهويته الشخصية وسيرته العائلية ومكان عمله ومسقط رأسه، فارتبط السبق بتسجيل الإصابة بالجغرافيا الأردنية على الفور “سلطي أول المصابين بالفيروس في الأردن”.

وهكذا سار الحال مع بقية الإصابات، واللافت هنا أن الجهات المسؤولة اعتمدت المسميات بشكل رسمي لاحقا، فكان “عرس إربد” العنوان التالي لبؤرة المرض. والد العروس الذي نقل العدوى على ما قالت وزارة الصحة، والعريس والعروس والأعمام والأخوال وكل المعازيم في ذلك العرس صاروا العنوان الجديد للفيروس.هم ليسوا مجرد مصابين كسائر المرضى في العالم، بل أشخاص بعينهم بأسمائهم وعناوينهم وهوياتهم وأرزاقهم؛ أصلا وفصلا وبحثا مستفيضا بكل تفاصيل حياتهم.

في مرحلة لاحقة اتخذ الفيروس اسما جديدا؛ “ممرضة البشير” بعد عرس إربد، وكلها أسماء تصلح لإطلاقها على أفلام سينمائية أو روايات أدبية مشوقة.

لم يلتفت أحد إلى أن ربط الإصابة بممرضة في هذا التوقيت، تضع علاقة الجمهور ونظرته إلى الكادر الصحي على محك الشك والمسؤولية، ناهيك عن حملات التنمر المسيئة على التواصل الاجتماعي والنقمة على من حمل ونقل الفيروس.

وفي كل مناسبة تم فيها كشف هوية المصاب ومهنته، كانت عبارات الشتم والإساءة تنهال عليهم، ولم تتحرك الجهات المسؤولة ولو بالتهديد لملاحقة المسيئين لهؤلاء الأشخاص بوصفهم مرضى وضحايا للفيروس اللعين.
وعندما لا تتوفر بطاقة تعريفية للشخص المصاب، يتخذ الفيروس اسم المكان الذي سجلت فيه الإصابات، كعمارة الهاشمي مثلا أو سوبر ماركت في عبدون، فنجفل من المكانين وننظر لهما نظرة عدائية.

ظاهرة المخالطين ومخالطي المخالطين، جعلت مهمة التعريف بهوية الفيروس صعبة ولذلك لجأنا للمكان والهوية المناطقية لتوصيف كورونا، فأصبحت مناطق بكاملها عنوانا للوباء.

واصلنا على هذا المنوال، فقد تصدر “سائق الشاحنة” المواجهة، ثم وعلى نحو متسارع أصبح جميع سائقي الشاحنات مادة خصبة للتنمر. السائق أبو محمد كان رأس الحربة، تفاصيل حياته اليومية وعلاقاته العائلية بكل ما فيها من خصوصية أصبحت على كل لسان. أصبح اسمه الكلمة المرادفة لاسم الفيروس.

كان من الطبيعي أن يحصل ذلك، فعندما لا تميز بين المصاب وهويته يغدو الشخص هو الفيروس بذاته، ولا مانع حينها من تحطيمه ومقاومته بكل المضادات الاجتماعية المتوفرة.

بالأمس حظينا باسم جديد للفيروس، إنه بائع البوظة في جرش، ومن غير المستبعد أن يخرج وزير الصحة ليذكره بهذا الاسم في الإيجاز اليومي لعدد الإصابات. بائع البوظة الذي نشر الفيروس في جرش.

مجرد انتشار الخبر على هذا النحو يبدأ الهجوم على شخصه باعتباره فيروس كورونا، وليس مصابا وقع ضحية مخالطة مجهولة، لا السلطات توفره بالزجر والتوبيخ على تهاونه، ولا الجمهور يرحمه من الشتائم والعبارات النابية.

حتى عندما تعوزنا الهوية الشخصية أو المناطقية للمصاب، لا نتردد في كشف جنسيته، دبلوماسيا أجنبيا كان أم سائقا باكستانيا ضبط متلبسا بالفيروس على حدود العمري.

نحن بالفعل مجتمع موحد لا يميز بين الناس، بل أكثر من ذلك لا نميز بين كورونا والمواطن، فنعد الفيروس واحدا منا.
gnews

أحدث الأخبار

الأكثر مشاهدة