رغم صعوبة التحديات والضغوطات التي واجهت الأردن عبر تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي فإن على الأردني ألا يشعر بالقلق أو الهلع على الأردن ومواقفه، هذا الأمر ليس تقليلا أو تهوينا من حجم الضغوطات بل ثقة بالدولة الأردنية قيادة وشعبا في إدارة كل المراحل الصعبة.
التاريخ طويل وفيه كل الشواهد ومنها مثلا الضغوطات التي كانت على الأردن في فترة مفاوضات كامب ديفيد في عهد أنور السادات، وفي تلك الفترة تعرض الأردن لضغوطات كبيرة من الولايات المتحدة الأميركية حتى ينضم للمفاوضات ويتحدث باسم الشعب الفلسطيني، لكن الحسين- رحمه الله- في حينه صمد ورفض وعبر بالأردن تلك الأزمة، ومؤكدٌ أن أهل السياسة الأردنية في تلك الفترة يعرفون ما جرى، وهو موقف مشرف للأردن لا يذكره له حتى أبناؤه.
ما نقوله لا يعني أن الأمور سهلة، ففي كل المراحل الصعبة تكون الضغوطات كبيرة وأحيانا تجد ممن حولك من يحرض عليك، لكنها مراحل تتطلب جهدا غير عادي من القيادة الأردنية، وتحتاج إلى استثمار مخزون المصداقية وكل العلاقات مع الأصدقاء وتفاصيل الدول المهمة.
ونتذكر قريبا حين كانت صفقة القرن ومشروع إدارة ترامب مع نتنياهو، وكان الجميع يدركون أن فصول هذه الصفقة لا تكتمل إلا بموافقة الأردن والفلسطينيين، فكان الموقف الأردني الصلب والواضح داعما رئيسا للموقف الفلسطيني، ولهذا نجح الجزء الخاص بتوسيع علاقات إسرائيل مع دول عربية وإسلامية لكن الجزء الخاص بالقضية الفلسطينية تعطل لأن الأردن رفض أن يكون الحل على حساب هويته ومصالحه وعلى حساب حقوق الفلسطينيين.
وقبل شهور كان مؤتمر النقب الذي جمع إسرائيل ودولا عربية وأميركا، وسوّقته إسرائيل على أنه مؤتمر للتعاون الأمني ومجالات أخرى، لم يحضر الأردن لأنه يملك منطقا لا يمكن تجاهله وهو أن أي تعاون إقليمي يجب أن يكون نتاجا لعملية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، غاب الأردن ليس لأنه رافض لعملية سلام شاملة في المنطقة، بل لأنه يريد سلاما حقيقيا فلا سلام دون حل القضية الفلسطينية.
الجميع يعلمون أن الأردن من أكثر الدول إيمانا بعملية السلام، لكنه يتصدى لمحاولات الالتفاف الإسرائيلي على القضية الفلسطينية، ويتعامل بكل حزم مع سياسات إسرائيلية تريد فك الارتباط بين القضية الفلسطينية وأي تعاون مع العالم العربي.
وحين نؤمن بأنه لا داعي للقلق على الأردن فليس لأننا دولة عظمى أو نملك مفاتيح المنطقة، بل لأننا نؤمن بصلابة موقفنا من المصالح العليا للأردن، ولأن لدينا قيادة ومؤسسات مفصلية قادرة على الخروج من المحطات الصعبة بأقل الخسائر، ولأن المنطق الذي يتبناه الأردن جزء من حماية مواقفه.
كل الدول تتعرض للضغوطات في ملفات سياسية وغير سياسية ونحن من هذه الدول، وأحيانا تكون بعض الاستجابات في بعض الملفات لاعتبارات معينة لكن الأمر لا ينطبق على ثوابت الأردن من المخاطر التي يشكلها أي مسار للقضية الفلسطينية لايحفظ مصالح الأردن والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. فالأردن لن يضحي بمصالحه ولن يترك الفلسطينيين وحدهم.