السبت، 26-02-2022
03:34 م
كيف تبدو صورة البلد؟ الإجابة من زاويتين؛ إحداهما الإنكار، والثانية الغضب، على الطرف الأول ثمة من لا يعترف أننا نعاني أزمة عميقة ومتراكمة، تسببت بها سياسات خاطئة، هؤلاء المسؤولون يهربون من الإقرار بذلك، ويتحدثون عن مشاريع سياسية واقتصادية مقبلة تحتاج لسنوات لكي ترى النور.
بالمقابل تتصاعد حالة الغضب وتتغلغل داخل قطاعات واسعة من المجتمع، أسبابها أصبحت معروفة ومعلنة، لكنها تصطدم بجدار الإنكار، ما يعمقها أكثر، ويدفع باتجاه انقسامات خطيرة داخل الدولة والمجتمع، تأخذ مسارات جديدة لم نألفها، وتفرز فاعلين يصعب التعامل معهم بمنطق الماضي وأدواته، ما يعني أننا سنكون أمام مكاسرات، المؤكد أننا سنخرج منها، إذا غابت الحكمة، خاسرين.
بروز حالة الإنكار من قبل إدارات الدولة ومسؤوليها، وحالة الغضب من قبل فئات من الأردنيين، ربما يلخص المشهد العام، ويعكس صورته، لكن الأخطر من ذلك يكمن بالإجابة عن سؤالين، الأول: من أوصلنا لذلك، سواء أكان بالداخل أو الخارج، وما الأهداف التي يسعى لتحقيقها، أما السؤال الآخر فهو لماذا نصر على البقاء بمربع الأزمة ذاته، ولماذا نفشل بالخروج منه، على الرغم من أننا نمتلك إمكانيات ذلك ومبرراته، وندرك أخطاره؟
لا يوجد لدي إلا إجابة واحدة، وهي أننا وقعنا في “حفرة الانهدام”؛ حيث أصبح رأس البلد مطلوبا، وأننا جزء من هذه الحملة ومشاركون فيها، بقصد أو من دون قصد، يصعب أن أخوض بالتفاصيل، لكن ما حدث لبلدنا على امتداد السنوات الماضية، لا يمكن فهمه بمعزل عما حدث ويحدث بالإقليم، وعما فعلناه بأنفسنا وفعله بعض الذين يتقدمون صفوفنا، سواء أكانوا من النخب المسؤولة أو المعارضة.
إشاعة التلاوم، وانعدام الثقة، وتكريس السواد العام، عمل مقصود لاستنزاف الدولة والمجتمع، وإذكاء الكراهية والغضب بين أطراف المعادلة الوطنية، وهي مقدمات مطلوبة للوصول لمرحلة افتعال الصدام على قاعدة غالب أو مغلوب.
إذا تجاوزنا ما يضمره الآخرون لنا من نوايا خبيثة، وربما مخططات جاهزة للتنفيذ (وتلك مسألة متوقعة)، فإن ما يحدث الآن بالداخل من مكاسرات بين النخب، يجد له صدى واسعا لدى قطاعات من الأردنيين، الذين انفجرت لديهم خزانات المظلومية والخوف من المستقبل، وعليه يجب أن يشكل مصدرا حقيقيا للقلق، ولا يجوز بالتالي التهوين منه، أو إنكاره، أو التعامل معه ببرودة سياسية.
المطلوب من المسؤولين أن يفهموا ذلك، ويبحثوا بجدية عن أفضل القنوات لتصريف الأزمة العامة، أقصد الخروج من حالة الاستعصاء أولا، ثم تغيير قواعد الاشتباك، ثانيا، من خلال استعادة أخلاقيات الدولة الأردنية، كمدخل للتوافق على الحلول، والتخلي، ثالثا، عن منطق العناد والمكابرة وتصفية الحسابات.
لماذا أقول ذلك؟ لسببين على الأقل، الأول أن ما يلوح في أفق بلدنا من أسئلة وحراكات، وتصاعد لحالة القهر العام، يختلف نوعيا عما شهدناه بالسنوات العشر المنصرفة، من احتجاجات ومطالب، الفارق تعكسه القضايا المطروحة، والأطراف الفاعلة، والمناخات العامة الداخلية والخارجية، ثم الدوافع والأهداف لكل ذلك.
سابقا كان الجسد الشعبي يتحرك، ويرفع مطالبه بسقوف مقبولة، أما الآن فالرؤوس هي التي تتحرك، والأجندات غير مفهومة، وأصوات الخارج هي الأعلى، والسقوف مفتوحة على المجهول.
أما السبب الثاني فهو أن موضوع النقاش أصبح الدولة، بما تأسست عليه من ثوابت وقيم وأخلاقيات، ومن علاقة بين أطرافها، والأهم بما يتعلق بوجودها لا بحدودها كما تضمر نوايا الاستهداف الخارجي، وكما تعكسه رسائله المتتالية.
هنا لا بد أن يتوقف الجميع أمام حقيقة واحدة، وهي العبث المعلن والمخفي ونتائجه، وأن يدققوا بما يجب أن يفعلوه كواجب وطني، لا أتحدث عن التنازلات والتفاهمات فقط، وإنما عن ضرورة استدعاء الضمير الوطني لتغيير الوضع القائم، وتطمين الأردنيين على أن ظهر البلد لن يكسر، وأن مصلحته ستكون فوق كل اعتبار، بالأفعال هذه المرة، وليس بمجرد الوعود والأقوال.