أستغرب من الذين يستغربون وقوع كل هذه الجرائم في الأردن، وكأنهم يتوقعون غير ذلك، هذا على الرغم من كل التحذيرات حول أن الأردن تم اختطافه إلى زاوية جديدة، تغير فيها كليا.
رجل يطعن زوجته بعدة طعنات أمام محكمة شرعية، وأب يدفن ابنتيه في حديقة المنزل، وثالث يطعن شقيقته وزوجته، ولو أردنا التعداد لما انتهينا، وكل يومين جريمة مروعة، في مشهد مؤلم ومحزن يثير التساؤلات حول النهايات التي سنصل إليها، خلال السنوات القليلة المقبلة.
لم يعد الأردن الحالي، ذات الأردن القديم، عدد السكان تضاعف بشكل كبير، ونسبة الجرائم زادت بطريقة غير مسبوقة، من القضايا المالية، وصولا إلى قضايا القتل والعنف، مرورا بجرائم السرقة في الأردن، وفوق كل شيء تراجع اقتصادي حاد، وعنف اجتماعي، وتعداد حكومي يعترف بأكثر من مليوني شخص لديهم أعراض أمراض نفسية، وتفش للمخدرات بشكل مذهل، وانعدام للأفق، بسبب الضغوطات المختلفة التي نعيشها، وهي ضغوطات لا يفلت منها الصغير، قبل الكبير، وتختطف كما أشرت البلد إلى المجهول، حتى لو زم المسؤولون شفاههم تنكرا للكلام.
سنذهب إلى مرحلة أصعب، وهناك تغيرات جذرية زاد وجود وسائل التواصل الاجتماعي من كشفها أو التفاعل حولها، أو نشر أخبارها، بما قد يبدو تشويها لسمعة البلد، لكنه الواقع الذي يعكس الانقسام الطبقي، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تأكل لحم البلد وعظمه. بدلا من دفن الرؤوس في الرمال، علينا أن ننقذ المجتمع، حتى لا يضطر كل أردني أن يحمل مسدسه في مشاويره، وحتى لا يتسلل الذعر إلى قلوب الناس، من هذا الفلتان، برغم وجود ملاحقة أمنية، لكل هذه الجرائم التي تتزايد يوما بعد يوم، خصوصا، خلال الفترة الأخيرة. الذعر يتبدى في التعليقات مما هو مقبل وآت، وهذه المسؤولية تقع على المؤسسات الرسمية والشعبية، وعلى كل القوى المؤثرة التي تتفرج على البلد وهو يتغير بسرعة غريبة، ومذهلة أيضا. يدفن المسؤولون رؤوسهم في الرمال، وإذا ناقشتهم قيل لك إن الجرائم تقع في كل بلد، وهذا صحيح، لكن لماذا أهملتم الوضع الداخلي إلى الدرجة التي تفشت بها كل هذه الأعراض، دون أي اهتمام أو قراءة مستقبلية لما قد تأتي به هذه الأوضاع من نتائج وخيمة على بنية البلد وسلامته.
المفارقة هنا أنه تم تحجيم كل القوى ذات التأثير الإيجابي، على صعيد مخاطبة الناس، وتحنيط الخطاب الديني، وإضعاف الخطاب التربوي، ليتم إنتاج أجيال غير منتمية أساسا، وليس لدى أغلبها مستقبل، وهي أجيال قادمة على الطريق وستزيد من الأزمة تعقيدا، بكل تأكيد. تشخيص الأزمات في الأردن، فن يجيده الكل، وكلنا خبراء في التشخيص، لكن عند الحلول تغيب الأغلبية، لأن كل واحد فينا ينتظر الآخر حتى يبادر بالحل، والكل ينتظر الجهات الرسمية لتتدخل، وهذا يعني أن تبادل الاتهامات حول المسؤولية لن يؤدي إلى نتائج، بل سيعمق من حدة الأزمة في الأردن، وعلينا أن نحذر هنا بصراحة من هذا الوضع الذي يؤشر إلى احتمالات أخطر، ما لم تتدارك كل الأطراف هذا الوضع، وتقوم بالبحث عن وسائل لتنفيس الحدة في المجتمع عبر إجراءات عملية، تترك أثرا إيجابيا على حياة الناس، وتعيدهم إلى شخصيتهم الأساسية.
يشعر بالغربة في الأردن، كل الأجيال التي خبرت الأردن بين مرحلتين، فتغرق في المقارنات، أما الأجيال الجديدة فقد استيقظت على هذا الواقع، وبعضها يظن أنه طبيعي، وهو ليس كذلك. لا تستنفر كل مؤسسات الدولة إلا عندما يكون هناك وضع سياسي أو أمني جلل، أما التغيرات الاجتماعية الحادة التي نراها فلا يهتم بها أحد، برغم أنها تهددنا جميعا، وتستلزم التدخل الجراحي بوسائل كثيرة، إذا توفرت هذه الوسائل، وتوقفنا عن إعلان إفلاسنا وعجزنا أمامها.