يجب أن يمر حديث الدكتور رجائي المعشر نائب رئيس الوزراء أمام اللجنة القانونية في مجلس النواب خلال مناقشتها مشروع قانون معدل لقانون النزاهة وهيئة مكافحة الفساد مرور الكرام، بل يجب أن يفتح الباب أمام مراجعة عادلة ليس لقضايا الفساد فحسب، بل كل الشعارات التي أثيرت خلال حقبة ما يسمى بـ «الربيع العربي» وبقيت حتى الآن بلا إجابات.
أهم ما قاله المعشر الذي اعتدنا على صراحته أن غياب صاحب الاختصاص سبب في المبالغة في تقديرات حجم الفساد التي ترفعها في كثير من الأحيان إلى 100 مليون دينار بينما يتضح أنها لا تتجاوز 10 ملايين دينار بعد الدراسة من المختصين ما يؤشر على أن الهيئات المختصة ينقصها الخبراء ولا أعلم ما إذا كانت قد استعانت بمثل هؤلاء المختصين في تلك الحقبة.
المبالغة في قضايا الفساد استندت إلى تناقل معلومات وأرقام في الشارع كبرت مثل كرة ثلج بفضل الشائعات وإدعاء إمتلاك المعلومات, فيما وراء هذه المبالغات التشكيك في الإدارة العامة وفي رموز وقيادات تداولت السلطة فما من رئيس وزراء أو وزير أو مدير إلا وأصابه مس منها.
ومرة أخرى هناك من يصر على التشكيك فيواجه حديث المعشر الصريح بتساؤلات مغلفة بإتهامات أو بنوايا بالتواطؤ لإغلاق القضايا, فالصورة الأخرى التي يمكن قراءتها في تصريح المعشر هي أن سقف التوقعات فيها قد رفع, وأن الجهات ذات العلاقة تشعر بنوع من الحرج في إيجاد مخرج لا يتسبب بصدمة في الشارع الذي التهب على وقع التصعيد فيها.
محاربة الفساد دخلت بقصد أو من دون قصد في شبك الأهداف السياسية وسوقت باعتبارها جوهرية يفترض أن تقود إلى «تنظيف» الدولة من ممارسات أثرت سلباً على صورتها فتتعزز الثقة في مركزها كبيئة آمنة للاستثمار وللأعمال, وللحقوق وللعدالة, لكن ما حدث هو تفشي الشائعات في الشارع وتقديم رموز مرحلة الى مقصلة الإعدام السياسي.
كنت استمعت إلى تصريح ربما ضاع أنذاك في وسط الضجيج من واصف عازر الذي كان رئيساً لمجلس إدارة شركة الفوسفات ومديراً لها قبل وبعد خصخصتها «أن من يتحدث عن أرباح مليارية في شركة الفوسفات إنما يهرف بما لا يعرف» فنتائج الفوسفات, التي بدأت بالتعافي حاليا لم تكن خرافية, لم تظهر مليارات الدنانير فالحسابات لا تتم على طريقة «البيضة والرغيف».
بلا شك أن ارتفاع الأسعار والضائقة الاقتصادية ينعشان إشاعات تفشيّ الفساد واغتيال الشخصية وكيل الاتهامات لكن المشكلة الأهم هي في ضعف أو صمت أو حياد دفاعات الحكومات ما يترك الرأي العام نهباً للشائعات.