لا يأتي الكلام هنا اتهاميا لأحد، ولا إلماحا بالتناقض، لكنها محاولة للفهم، إذا ما كانت العلاقة بين الأردن وإيران قد طرأت عليها تغيرات غير معلنة، أم أن الدبلوماسية تريد التخفيف من الواقع.
على مدى عقود كان الأردن يوجه اتهامات مباشرة لإيران بخصوص أمنه وأمن الإقليم، وقد شهدنا في التسعينيات طرد دبلوماسيين إيرانيين على خلفية قضايا تهدد الأمن، ووصل الحد إلى سحب السفير الأردني من طهران، والطلب من السفير الإيراني في عمان المغادرة، بما يتطابق مع خطوات شبيهة اتخذتها دول عربية كانت تتهم إيران دوما بكونها المهدد الأكبر لأمن المنطقة.
هذا التوتر في العلاقة مع الإيرانيين بقي متواصلا، خصوصا، في ظل علاقة الأردن بالدول العربية الخليجية التي كان لها موقف محدد من إيران، وربما اشتدت المهددات أكثر خلال الحرب التي تعيشها سورية، التي يعتبرها الأردن، أكبر من فوضى داخلية، نحو كونها حرب الوكلاء في سورية.
في كل التسريبات الرسمية، والمعلومات التي كانت تتدفق كان الكلام عن مخاوف الأردن الأمنية من إيران، تارة بسبب وجود مليشيات إيرانية وأفغانية وعربية تابعة لإيران على الحدود الأردنية السورية، وتارة عبر الإلماح بكون إيران طرفا في حرب المخدرات الموجهة الى الأردن، وتارة عبر الكلام عن توسط أردني لدى الروس لمنع اقتراب الإيرانيين من الحدود الأردنية، وهكذا بني الموقف من إيران بشكل سلبي يشكك في دوافع إيران الأمنية تجاه الأردن، لاعتبارات كثيرة. لكن موجة الاتهامات تبددت فجأة، ومسؤولون يخرجون ليقولوا إن الأردن لم يتعامل طوال تاريخه مع إيران باعتبارها تهدد الأمن القومي، وإن الأردن يتطلع إلى علاقة جيدة مع إيران. المغازلة هنا غريبة، حقا، فإما أن الأردن يرصد تغيرات في الموقف الدولي والعربي تجاه إيران، ويريد التهيئة لتحسين العلاقات مع إيران، خصوصا، مع إشارة المسؤولين إلى أن تهديدات إيران لجوارها العربي تراجعت، أو أن هذه محاولة لتهدئة مخاوف إيران مما قد يجري الفترة المقبلة، أو أن هذا الكلام مجرد إشارات مجاملة دبلوماسية في توقيت فاصل، قد يشهد تحشيدا ضد إيران، أو أن هناك تحسنا سرياً في العلاقة بين الأردن وإيران، بعيدا عن آذان الصحفيين، وأعين الكاميرات. هناك من يرى أن الإعلان عن أن إيران ليست مهددة للأمن القومي الأردني، بشكل مباغت برغم كل الإرث السابق، الذي تم ضخه في العصب العام ضد إيران، قد يعكس تجاوبا إيرانيا سريا مع مخاوف الأردن بشأن الحدود وقضايا ثانية، وهذا يفسر الكلام الإيجابي الذي قيل بحق الإيرانيين، وهذا مجرد افتراض تحليلي لا يستند إلى معلومة حصرية، أو معلومة مسربة لغاية ما.
المعنى أن هناك غموضا في تأويل الموقف الرسمي الأردني تجاه إيران، خصوصا، أن كل الإشارات تتناقض، مع بعضها البعض، وسياق مغازلة إيران لم يكشف سبب هذه التغيرات المفاجئة، وإذا ما كان الأردن سيذهب أكثر نحو إعادة سفيره إلى طهران، واستعادة كامل العلاقات الدبلوماسية مع الإيرانيين، ولا نفصل هنا توقيت هذه الإشارات، عن سياق زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة.
قد يكون هناك في الظلال جولات تفاوض واتصالات غير معلنة بين الأردن والإيرانيين، وبين إيران ودول عربية، ولا أحد يعرف إلى أين وصلت هذه الجولات، لتحسين العلاقات، لكن المؤكد مجددا، أن المنطقة تفيض بالتحديات، ولا أحد يعرف ماذا سيحصل غدا في هذه المنطقة.
التقلب في المواقف السياسية، سمة لكل دول العالم، وفقا لمصالحها، ومستجداتها، لكننا نسأل بكل هدوء كيف أصبحت إيران فجأة غير مهددة للأمن القومي الأردني وهو جزء من الأمن القومي العربي، فيما بني الموقف بشأن إيران بشكل معاكس طوال عقود. قولوا لنا فقط، ماذا استجد؟.