كلام وزير الداخلية الأخير لم يكن مفاجئا، إذ إن مصارحته حول عدد الذين حصلوا على الجنسية الأردنية من خلال الاستثمار، كانت متوقعة، خصوصا، مع وجود دول كثيرة تمنح الجنسية مقابل الاستثمار، وبشروط ميسرة وسهلة للغاية، مقارنة مع الشروط الأردنية.
ثارت الضجة ذات يوم ما، حين تم الإعلان عن تسهيلات لمنح الجنسية الأردنية مقابل الاستثمار في الأردن، وكالعادة أثيرت المخاوف، والتوقعات من تقدم أعداد كبيرة للحصول على الجنسية، وذهب البعض بعيدا الى الحديث عن المخاوف من حصول جنسيات محددة على الجنسية الأردنية، لغايات سياسية، وهذا لم يحصل أساسا، فنحن نبالغ أحيانا، وننسى أن هناك عشرات الدول في العالم، تمنح جنسياتها لمن يستثمرون، وبعضها بشروط اسهل بكثير من الأردن.
يقول وزير الداخلية إن عدد الذين حصلوا على الجنسية الأردنية من خلال الاستثمار بلغ 206 أشخاص وذلك منذ صدور التعليمات الخاصة بمنح الجنسية للمستثمرين في آذار-مارس 2018.
الحكومة كانت قد قررت قبل يومين، تعديل أسس منح المستثمرين الجنسية الأردنية، حيث سيتم منح الجنسية للمستثمر عند قيامه بإيداع وديعة بقيمة مليون دولار لدى البنك المركزي الأردني دون فائدة ولمدة ثلاث سنوات وعدم السحب منها خلال هذه المدة، وشراء سندات خزينة بقيمة مليون دولار لمدة ستة سنوات بفائدة يحددها البنك المركزي، وذلك شريطة تواجده داخل أراضي المملكة لمدة لا تقل عن شهر قبل توقيع التوصية النهائية بمنحه الجنسية الأردنية، كما سيتم منح الجنسية الأردنية للمستثمر عند الاستثمار من خلال شراء أسهم أو حصص في الشركات الأردنية بمبلغ لا يقل عن مليون ونصف دولار على ألا يتم التصرف بالحصص لمدة لا تقل عن ثلاثة سنوات، كما سيتم يمنح المستثمر جواز سفر أردني مؤقت لمدة ثلاثة سنوات، عند إنشاء وتسجيل مشروع في أي من القطاعات الاقتصادية الإنتاجية، بإجمالي رأسمال مدفوع لا يقل عن مليون دولار داخل حدود محافظة العاصمة شريطة توفير عشرين فرصة عمل حقيقية للأردنيين، ولا يقل عن سبعمائة وخمسين ألف دولار خارج حدود العاصمة شريطة توفير عشرة فرص عمل حقيقية للأردنيين عند البدء الفعلي بالمشروع.
لقد ثبت بعد مرور هذه السنوات، ان التوقعات بحدوث عمليات تجنيس واسعة، مقابل المال، توقعات غير صحيحة، وان المخاوف السياسية، من تسلل بعض الأشخاص عبر هذه المزايا، او تجنيس جنسيات عربية، بالجنسية الأردنية، بما يؤثر في الأردن، سكانيا، امر غير صحيح، وليس ادل على ذلك من انخفاض عدد الذين حصلوا على الجنسية، وهو رقم كما أشار الوزير في تصريحاته يعد رقما قليلا، إضافة الى ان هناك جانبا لا يتحدث عنه احد، أي الموافقات الأمنية للحصول على الجنسية، اذ قد يتم رفض بعض المعاملات، حتى لو كانت مكتملة الشروط ماليا، بسبب المحاذير غير المعلنة التي تتبناها الجهات الرسمية، وهذا يعني ان نظرتنا الى عملية الحصول على الجنسية يجب ان تتغير، فهي لا تعني ابدا بيع الهوية الأردنية، ولا رخص قيمتها، فهي قيمة وجدانية وسياسية عالية، ومحترمة، لا احد يختلف على احترامها سرا وعلنا.
الجانب الأهم هنا، يرتبط بأمرين، أولهما ان عشرات الدول المتطورة في العالم تمنح الجنسية مقابل استثمارات بأقل من هذه المبالغ، وبعضها يمنحك الجنسية مقابل شراء عقار، بقيمة اقل من الشروط الأردنية، وهذه الدول تريد استقطاب رؤوس الأموال، وتحريك قطاعاتها، في ظل بيئة تتسم بالمرونة والجمالية والتنافسية والتسهيلات والتطور، وبرغم ذلك لا يوجد تحسس من منح الجنسية مقابل تحقيق بعض الشروط، وثانيهما اننا في الأردن ولحسابات سياسية بحتة، ومخاوف من كلف أزمات دول الجوار، نتحسس من نقل هذه الازمات الى الأردن، عبر جسر التجنيس، وهذا التحسس طبيعي ومفهوم، لكن يجب ألا نبالغ فيه، لأن بعض الاردنيين أيضا، يذهب للاستثمار في الخارج، ويحصل على جنسية بلد ما، ويريد من الجميع التعامل معه بطريقة إيجابية، في البلد الذي حصل على جنسيته، بعد ان اشترى عقارا، او استثمر قليلا من المال فيه.
التعديلات على الحصول على الجنسية مقابل الاستثمار، لن تؤدي الى ارتفاع اعداد المتقدمين للجنسية، والسبب بسيط، كون اغلب الذين لديهم المال، لديهم خيارات متعددة، في هذا العالم.