اقتصاديات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مرشحة لتداعيات أشد خطورة في السنوات المقبلة على وقع جائحة كورونا.
تحليل اقتصادي معمق في مجلة “الإيكونومست” يحذر من أن الدول النفطية وتلك التي تعتاش على مكتسبات النفط في المنطقة ستعاني لفترات طويلة، جراء انخفاض الأسعار.
يرى الخبراء حسب تقرير المجلة أن الاضطراب الأخير في سوق النفط ليس انحرافا عابرا، بل هو”نبذة عن المستقبل”، مع دخول العالم حقبة الأسعار المنخفضة.
في بلد نفطي بحجم السعودية يعلق أحد المستشارين بالقول إن رؤية 2030 أصبحت 2020.
ينقل التقرير عن صندوق النقد الدولي القول إن عائدات النفط لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا انخفضت من ترليون دولار العام 2012 إلى575 مليار دولار العام 2019، ويتوقع أن تصل عائدات دول النفط العربية حوالي 300 مليار دولار.
وثمة مخاطر جدية من استنزاف هذه الدول لاحتياطياتها من العملات، وما يعني انتكاسة كبرى لجهود إصلاح الاقتصاد المشوه.
الدول غير المنتجة للنفط في المنطقة ستعاني من هذه التحولات، نظرا لاعتمادها على الأسواق الخليجية تحديدا في تشغيل فائض العمالة لديها وتوفير التدفقات النقدية عبر حوالات المغتربين.
في بلد مثل لبنان يعتمد بشكل كبير على أسواق النفط الخليجية، يتوقع التقرير انكماش إجمالي الناتج المحلي بما يزيد على 13 %. أما التحويلات النقدية التي تصفها المجلة بشريان الحياة لسكان هذه الدول، فإنها هي الأخرى مرشحة للتراجع في بلد مثل الأردن يعتمد قرابة 5 % من سكانه على تحويلات المغتربين.
ذلك يعني ببساطة أن مشكلة البطالة في بلدان مثل مصر والأردن ولبنان مرشحة للتفاقم مع تسريح عشرات الآلاف من عمالها في دول الخليج، وضعف قدرة اقتصادياتها على خلق فرص عمل جديدة، خاصة مع ارتفاع عدد الخريجين السنوي بما يفوق قدرة الاقتصاد الوطني على استيعابه.
يخشى أيضا أن تتضرر الصادرات للأسواق النفطية مع تراجع القدرة الشرائية لمواطنيها. الأردن على سبيل المثال يعتمد بنسبة 32 % من صادراته على تلك الأسواق. ويشير التقرير هنا إلى أن الصناعات الدوائية الأردنية التي تولد نحو 10 % من إجمالي عائدات الصادرات، ترسل أكثر من ثلاثة أرباع منتجاتها إلى الدول العربية المنتجة للنفط.
والخطر الماثل ابتداء من هذا الصيف يتمثل في تراجع حركة السياحة الخليجية، التي تشكل مصدرا مهما لدول مثل الأردن ولبنان ومصر.
مواجهة هذه المخاطر يتطلب من الدول غير النفطية كالأردن إصلاحات اقتصادية واسعة وأكثر ديناميكية، قد تبدو خطوطها العريضة بدأت بالاتضاح، كالتركيز على دعم الصناعات المنافسة، وتطوير قطاعات الزراعة والصناعات الغذائية، لكن النجاح في هذا المضمار يتطلب برامج وخططا وطنية أكثر شمولا، والتزاما جديا بتنفيذها دون مراوحة.
كما أن هيكلة سوق العمل، ومواءمة مخرجات التعليم مع سوق العمل، باتت ضرورة ملحة لا يمكن تأجيلها.
هذه الاصلاحات وسواها لم تعد ترفا بل خيارا إجباريا بدونه سنواجه اضطرابات اجتماعية وتفاقما في مشاكل الفقر والبطالة وارتهانا كاملا لسياسة الدين لتمويل العجز، وما يمكن أن ينجم عنها من تداعيات خطيرة.