مرت هذه المعلومات دون ضجيج، ولا كأنها تعبر عن خطورة، ولا عن مشروع أكبر يتم التحذير منه على مدى عقود، لكنها الاستهانة التي بلغت درجة مؤلمة في هذه المنطقة.
يعد "عميت هاليفي" عضو الكنيست عن حزب الليكود الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مشروع قانون من أجل تقاسم المسجد الأقصى بكل مساحته مكانيا، والحرم القدسي الذي تبلغ مساحته 144 دونما، بنظر "عميت هاليفي"، ليس إسلاميا، ويريد "عميت هاليفي" من خلال مشروع القانون إعادة تعريف المسجد الأقصى إسلاميا بوصفه مبنى الجامع القبلي فقط، وأن كل ما سواه من ساحات الحرم غير مقدس إسلاميا، بما في ذلك مسجد قبة الصخرة، التي يعتبرها الإسرائيليون مركز الهيكل الواجب اقامته في تلك النقطة.
وفقا لمشروع القانون الذي كشف عنه الموقع الإلكتروني "زمان يسرائيل" قبل أيام، سيتم تخصيص محيط المسجد القبلي جنوباً للمسلمين، في حين تُخصص لليهود قبة الصخرة التي ستتحول إلى الهيكل، وحتى الحد الشمالي لساحات الحرم، وهذا يعني أن سبعين بالمائة من مساحة الحرم القدسي، ستتم مصادرتها، كونها غير يهودية وفقا لصاحب مشروع القانون، وسيتم فيها اقامة الهيكل، كما ينص مشروع القانون على ضرورة التخلص من السيادة والوصاية الأردنية على المسجد الأقصى بشكل كلي، وكذلك إنهاء دور دائرة الأوقاف الإسلامية في ساحات الحرم، من خلال وضع خطة تدريجية لتحقيق هذه الأهداف، مع إقامة مديرية خاصة لإدارة شؤون اليهود في المسجد الأقصى، وتثبيت حضور وتواجد اليهود في ساحات الحرم على أساس حضور ديني دائم، مما يعني السماح لهم بإقامة الطقوس التلمودية والتوراتية.
ما هو أخطر هنا أن مشروع القانون لا يعبر عن صاحبه فقط، حتى لا يتم خفض الاهتمام بها يجري داخل إسرائيل، فهذا المشروع يعبر فعليا عن توجهات الحكومة الإسرائيلية، والاتجاهات الدينية والسياسية في إسرائيل، إضافة إلى أن المؤسسة الأمنية والعسكرية، التي قد لا توصي أحيانا بالتصعيد داخل الحرم القدسي، لغايات تكتيكية، لكنها أيضا تتبنى هذا الاتجاه.
الحرم القدسي مهدد بالتقسيم المكاني، وعلى الأرجح فإن إسرائيل تستقرئ دوما ردود الفعل الفعلية وليس الكلامية، وهي في ظل معادلة عربية وإسلامية ودولية غائبة، قد تصل بهذا المخطط إلى التنفيذ الفعلي، لكن التحدي الأكبر الذي يواجهها هو الكتلة الفلسطينية داخل القدس، وفي بقية فلسطين، بمعنى أن إسرائيل لولا حسابات الكلف هنا لنفذت هذا المشروع منذ زمن بعيد.
الجانب الأخطر يتعلق بكون إسرائيل -على افتراض انها اقرت مشروع القانون- من خلال الكنيست، قد لا تقوم بتنفيذه مباشرة، حتى تجد التوقيت المناسب للتنفيذ، وهذا يعني أننا في كل الأحوال ندخل الفترة الاسوأ بشأن المسجد الأقصى، بعد أن تم التحذير آلاف المرات من التقسيم الزماني والمكاني، حتى أصبح الزماني واقعا، بفترتين صباحية ومسائية لعدة ساعات يوميا، فيما نموذج التقاسم المكاني في الحرم الإبراهيمي في الخليل الذي تستحوذ إسرائيل على ستين بالمائة منه، يطل علينا اليوم، بطريقة أخطر داخل الحرم القدسي، وبخصوص أولى القبلتين، الذي ستلعب إسرائيل على مبدأ ادامته وعزله في بقعة صغيرة، والسيطرة على بقية الحرم.
في كل الأحوال إسرائيل تلعب بالنار، وهي لا تتعلم، فيما علينا القول صراحة ان رد الفعل على هذه السياسات، يجب أن يكون حادا، من داخل فلسطين، وخارجها، وعدم تصغير أهمية هكذا مشاريع قوانين تحت مبرر يقول إن مشروع القانون لن يمر نهاية المطاف، وسوف تتجنبه إسرائيل، فهذه التبريرات تصب لصالح إسرائيل أولا واخيرا، ولا تقدر خطورة المشهد.